المخاطر المحدقة بالتراث التاريخي في العراق
تواجه المواقع التاريخية في العراق، التي تمتد لآلاف السنين، تهديدات غير مسبوقة نتيجة للتغيرات المناخية. إذ تشير تحذيرات المسؤولين وخبراء الآثار إلى أن ارتفاع الملوحة والجفاف بدأ يؤثر بشكل كبير على المواقع الأثرية، خاصة في جنوب العراق، بما في ذلك مدن أور وبابل التاريخية التي كانت مراكزاً لحضارات عظيمة شكلت أساس التاريخ الإنساني.
التدهور البيئي وتأثيره على التاريخ
أكد مسؤولون من دائرة الآثار في محافظة ذي قار أن زيادة ملوحة التربة الناتجة عن الظروف المناخية القاسية بدأت تلحق الضرر بالمواد المستخدمة في بناء المعابد والمقابر القديمة، مما يهدد بانهيارها خلال سنوات قليلة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة. وأوضح كاظم حسون، مفتش الآثار في ذي قار، أن الأملاح الناتجة عن الاحتباس الحراري تسببت في تدمير أجزاء حيوية من المقبرة الملكية في أور، مشيراً إلى الأضرار التي لحقت بمباني المدينة القديمة بسبب تآكل اللبن المستخدم في الإنشاءات نتيجة الملوحة والمياه الجوفية والحرارة الشديدة.
من جهة أخرى، أكد عالم الآثار عبد الله نصر الله أن التدهور طال زقورة أور، التي تُعد من مواقع التراث العالمي، حيث فقدت الزقورة عشرة أمتار من ارتفاعها الأصلي. ويعتبر أن الرياح الشمالية والكثبان الرملية تلعب دوراً في تآكل جوانب الزقورة. كما أن المواقع التاريخية في بابل تأثرت بدورها بهذا الوضع، حيث تتآكل المواد الطينية المستخدمة في البناء بسبب ارتفاع الملوحة وازدياد موجات الجفاف، وهو ما أكده منتصر الحسناوي، مدير عام الآثار في وزارة الثقافة.
وقد دعا الحسناوي إلى ضرورة التحرك الفوري لترميم المواقع المهددة نتيجة نقص التمويل. وأشار إلى أن أخطاء الترميم السابقة ساهمت في تدهور المباني الأثرية، فالمواد المستخدمة حديثاً لا تقاوم الظروف البيئية مثلما كانت تفعل المواد القديمة. ومع تفاقم مشاكل التملح في المياه، يزداد خطر فقدان المدن الأثرية المدفونة تحت الأرض.
وفي ظل هذه التحديات، حذر الحسناوي من أن تجاهل هذه القضايا قد يؤدي إلى فقدان رموز ثقافية مهمة من التراث العراقي والعالمي. ودعا إلى استغلال حالة الاستقرار الأمني لجذب بعثات التنقيب والترميم الأجنبية وإعادة تقييم خطط التمويل الحكومية لحماية تلك المواقع. وبذلك، يؤكد المسؤولون في وزارة الثقافة أن القضايا المناخية لم تعد مجرد مسائل بيئية، بل باتت تهديداً حقيقياً لهوية العراق التاريخية، حيث أصبحت الرمال والملوحة تمثل عدواً غير مرئي يعرض أولى حضارات العالم للخطر.

تعليقات