إسرائيل تسعى لاستمالة السعودية نحو التطبيع: هل تتم الصفقة التاريخية؟

تحولات المشهد السياسي في العلاقات الإسرائيلية السعودية

لم تكن تصريحات وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش مجرد حادثة عابرة، بل تجسد حالة سياسية متوترة داخل إسرائيل. فالوزير الذي استخدم عبارات عنصرية ضد السعودية واعتذر عنها لاحقًا، عاد ليكرر هجومه في اجتماع حزبه، مؤكدًا أن “لا أحد يقدم لإسرائيل خدمة بتطبيع العلاقات معها”. ورغم اعتذاره لم يتراجع عن موقفه، مما يعكس أزمة عدم استقرار داخلي. في المقابل، ظلت السعودية صامتة، مما يدل على موقفها الواضح: ثقة ثابتة لا تتأثر بخطابات من يعتمدون على التطرف.

على مدار سنوات، كانت إسرائيل تفرض شروط التطبيع وتتحكم في وقته، ولكن المشهد اليوم قد انقلب، حيث أصبحت إسرائيل هي الطرف الذي يتمنى، والسعودية هي التي تضع الشروط. بعد التصريح الواضح من الرياض أن أي تطبيع يتطلب مساراً سياسياً حقيقياً نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، أصبح من الواضح لتل أبيب أن الطريق إلى الرياض مغلق أمام الخطابات العنصرية. باتت تدرك أن السلام لا يمكن فرضه بالمناورات بل يتطلب الالتزام بتنفيذ الشروط.

التوتر داخل اليمين الإسرائيلي وتأثير السعودية

تعكس تصريحات سموتريتش القلق الكبير داخل اليمين الإسرائيلي من تعزيز الموقف السعودي كقوة قيادية سياسية وأخلاقية في المنطقة. في الوقت الذي يتحدث فيه الوزير بلغة التهكم، ترد السعودية بالفعل من خلال تحركات دبلوماسية واسعة، تمكّنت من حشد الدعم العالمي للاعتراف بدولة فلسطين، حيث أعلنت عشرات الدول اعترافها الرسمي خلال الأشهر الماضية. وقد شهدت اللغة الدولية تحولاً، إذ انتقل الحديث من “حل الدولتين” إلى “ضرورة الاعتراف” كمسار ضروري.

ما يزيد من جملة التوترات داخل إسرائيل هو أن الرياض لا تطلب لنفسها شيئًا، بل تضع شروطها باسم فلسطين، التي تتمثل في مواصلة وقف الاستيطان وضمان الحقوق المشروعة للفلسطينيين. في عالم السياسة المعقد، فإن استخدام دولة لوزنها الدبلوماسي من أجل فرض معايير العدالة الإقليمية هو أمر نادر.

يُعبر سموتريتش عن خوفه من فقدان السيطرة على المشهد، حيث لم تعد السعودية مجرد طرف إقليمي بل أصبحت رمزًا للتوازن السياسي. وموقفها الثابت من التطبيع لا يولد الغضب في واشنطن أو التكهنات في العواصم الأوروبية، بل يعد بمثابة ضمان لاستقرار الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد، تكتسب مواقف السعودية قيمتها من دورها في إعادة تشكيل التوازنات العالمية، حيث تسلّط الضوء على أن الاستقرار لا يمكن تحقيقه بتجاهل القضية الفلسطينية بل بمعالجتها بشكل جوهري.

اللافت أن كل تصعيد إسرائيلي لا يضعف الموقف السعودي بل يعززه، فالهجوم يعكس اعترافًا ضمنيًا بالتأثير السعودي المتزايد. تدرك تل أبيب اليوم أن تجاهلها للرياض هو أخطر ما يمكن أن تفعله. صمت السعودية هو لغة قوية تدل على رغبتها في إحلال السلام كخيار حقيقي، وليس كغطاء لمشاريع استيطانية جديدة. وفي الختام، يتضح الفرق بين من يسعى وراء الاعتراف ومن يصنعه، حيث تحلم إسرائيل بتطبيع يعيد لها الشرعية المفقودة، بينما تقود السعودية مشروعًا يعيد للشرعية الفلسطينية مضمونها.