تلوث الهواء في بغداد: أزمة بيئية وصحية متصاعدة
بغداد، العاصمة التي أسست على ضفاف الأنهار، تواجه اليوم أزمة تلوث هوائي تتجاوز مجرد الغبار الموسمي لتتحول إلى غلاف من السموم الناتجة عن عوادم السيارات ودخان المولدات وغازات الكبريت المنبعثة من المصانع وحقول النفط. ومع تزايد عدد السكان إلى حوالي عشرة ملايين نسمة، أصبحت المدينة تواجه مستويات مرتفعة من التلوث، حيث تتصدر مؤشرات التلوث عالميًا وفقًا لمنصة IQ Air، في حين تحذر التقارير البيئية من الوضع المتفاقم دون اتخاذ إجراءات عملية حقيقية.
التدهور البيئي في المدينة
من الواضح أن تلوث أجواء العاصمة ليس حالة طارئة، بل هو نتيجة تراكم عدة عوامل تشمل المصانع التي تعمل بدون تراخيص بيئية وتستخدم وقودًا سيئ الجودة، وعمليات حرق النفايات بشكل متواصل، بالإضافة إلى الظروف المناخية الراكدة التي تساهم في علق الملوثات في الهواء. ورغم محاولات بعض المسؤولين تقديم نصائح بسيطة مثل غلق النوافذ وارتداء الكمامات، فإن الأرقام تشير إلى أن بغداد أصبحت المدينة الأكثر تلوثًا على مستوى العالم.
يبرز التقرير من مرصد العراق الأخضر أن غياب المحاسبة على الأنشطة الصناعية العشوائية يمحو أي جهد يتجه نحو حل الأزمة، حيث لا تزال المصانع المخالفة تعمل بحرية والمكبات العشوائية تحترق دون رقابة، فيما تعاني المدينة من انعدام أي نظام لرصد جودة الهواء بشكل فوري. الروائح الكريهة، خاصة رائحة الكبريت، تتجدد بين الحين والآخر بسبب انبعاث الغازات السامة من المصانع ومحطات الكهرباء القديمة، مما يؤثر بشكل مباشر على صحة السكان.
تحذر التقارير البيئية من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الصحية وازدياد عدد الأمراض المرتبطة بالتلوث، خاصة في المناطق المحيطة بالحقول النفطية حيث يعيش ملايين المواطنين في ظروف تؤدي إلى انتشار الأمراض الخطيرة. تحسين الوضع البيئي يتطلب إطلاق مشاريع طويلة الأمد مثل “الصناديق الخضراء” التي لم تجد طريقها إلى التنفيذ بسبب نقص التمويل.
لmaj، إن تأثير التلوث على الاقتصاد أصبح واضحًا، حيث يشير الخبراء إلى أن تلوث الهواء يؤثر بشكل مباشر على تكلفة العلاج والإنتاجية. التحرك نحو تنفيذ استراتيجية “الاقتصاد الأخضر” أصبح ضرورة ملحة لتحسين جودة الهواء، وقد يكون من خلال تقديم قروض منخفضة الفائدة لاستبدال السيارات القديمة وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة.
في ضوء تزايد التلوث، وأثره السلبي على الصحة العامة، يتعين على الحكومة اتخاذ خطوات جدية لتفعيل الرقابة على الانبعاثات، وإيجاد حلول فعالة للتحكم في الصناعات والمولدات. لا يمكن لأي جهود حكومية أن تؤدي إلى نتائج ملحوظة ما لم يكن هناك تعاون مجتمعي حقيقي للتصدي لهذه الأزمة. بغداد بحاجة إلى خطة شاملة تتعامل مع التلوث باعتباره قضية أمن وصحة واقتصاد.

تعليقات