مجزرة التجار: هاجس الذاكرة الاقتصادية في العراق
في صيف 1992، شهد الشارع العراقي حادثة مروعة كانت لها آثار عميقة على مجتمعه الاقتصادي، حيث نفذ نظام صدام حسين إعدامات جماعية لعشرات من كبار التجار في بغداد وعدد من المدن، بتهم زائفة تمحورت حول الاحتكار ورفع الأسعار. هذه الواقعة التاريخية التي عُرفت “بمجزرة التجار” تعكس محاولة النظام لتحميل القطاع الخاص عواقب الانهيار الاقتصادي الذي نتج عن الحصار الدولي المفروض بعد غزو العراق للكويت عام 1990.
فاجعة الأغلبية
بعد فرض الحصار الاقتصادي، الذي منعه فيه مجلس الأمن من تصدير النفط واستيراد السلع، انهارت البنية الاقتصادية بشكل شبه كامل. بينما كان التجار هم الجهة الأساسية القادرة على توفير المواد الغذائية والسلع الأساسية وسط هذا الاختناق، ارتفعت الأسعار نتيجة تقلبات السوق والمخاطر المرتبطة بها، لكن النظام رآها كجشع وإساءة استخدمها لتعزيز خطابه العدائي ضد القطاع الخاص.
في منتصف العام 1992، صدرت أوامر من السلطة لتشكيل لجان لمراقبة الأسعار تحت قيادة علي حسن المجيد. وتم اعتقال العشرات من التجار من أسواق العاصمة، ولم يتم الإعلان عن أسمائهم إلا بعد أسابيع حينما عرضت التلفزيون الرسمي اعترافات تحت الضغط، قبل أن ينفذ حكم الإعدام بحقهم في 26 تموز.
تسبب هذا الحادث في صدمة داخل الأوساط الاقتصادية، حيث توقفت أنشطة الكثير من التجار واغلقت محلاتهم وتُركت السوق لتواجه تداعيات خطيرة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية. ورغم التداعيات السلبية، لم يكن هناك استجابة دولية ملحوظة للحادث، لكن بعض المنظمات المعنية بحقوق الإنسان اعتبرت هذه الإعدامات “جريمة خارج نطاق القانون”.
بعد سقوط النظام في 2003، ظهرت معلومات جديدة تتعلق بتلك الحادثة، حيث أعلن حسين كامل أن الحملة ضد التجار كانت خاطئة وتنفيذها كان بأوامر مباشرة من صدام.
لا تزال عائلات الضحايا تتذكر تلك الحادثة الأليمة، وقد أصبحت جزءاً من ذاكرة العديد من سكان بغداد. خاصة أن التجار الذين أُعدموا كانوا معروفين بنشاطهم التجاري وسمعتهم الجيدة، وقد استخدم النظام تلك الحادثة لتخويف أي شخص قد يفكر في الخروج عن سياساته القمعية.
في حديثه مع وسائل الإعلام، أشار رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية إلى ضرورة إعادة فتح هذا الملف، معتبراً أن القضية بحاجة إلى تحقيق شامل لجمع الشهادات والوثائق. بدوره، أكد مستشار رئيس الوزراء المالي أن هذه الإعدامات تُعد وصمة عار في علاقة الحكومة بالسوق وأن المعارضة السياسية للأعمال التجارية أدت إلى آثار سلبية طويلة الأمد على الاقتصاد الوطني.
تسعى الحكومة حالياً لبناء ثقة جديدة مع القطاع الخاص من خلال استراتيجيات تشجع الاستثمار وتحسن من البيئة الاقتصادية بصفة عامة. وأكد المسؤولين أن ما حدث يجب أن يكون درساً لتفادي التدخلات السياسية القهرية في الأسواق، مشددين على أهمية حقوق التجار وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التنمية المستدامة في العراق.

تعليقات