مخاوف من عودة النشاطات الإرهابية في الصحراء العراقية
وجهت جريمة قتل راعيي الأغنام من النجف وإشعال النار في جثتيهما في صحراء غرب النخيب، مساء الأربعاء (22 تشرين الأول 2025)، مجددًا الأنظار نحو القلق من قدرة تنظيم داعش على الحركة في المناطق النائية التي تفصل بين الأنبار وكربلاء، لا سيما بعد فترة من الهدوء النسبي. هذه الجريمة التي تمت بأسلوب “كمين صحراوي” في منطقة شبوان أثارت تساؤلات ملحة حول كفاءة الانتشار الأمني في أعماق الصحراء، ومدى استعداد الدولة لسد الثغرات الأمنية التي تظل تشكل نقطة ضعف دائمة في خارطة العراق.
مخاطر النشاطات الإرهابية
يؤكد الخبير الأمني صادق عبد الله أنه رغم احتواء الجريمة على علامات تدل على تنظيم داعش، إلا أنه من المبكر الجزم بمسؤوليتهم حتى انتهاء التحقيقات. إلا أن الأمور تشير، كما يوضح، إلى “وجود نشاط متقطع لخلايا نائمة تستفيد من الفجوات الصحراوية الواسعة وغياب المراقبة الفعالة”. ويشدد على ضرورة أن يتجه الانتشار الأمني في تلك المناطق نحو اتخاذ ما يسمى بـ “الخطوط الحمراء” لضمان حماية المدنيين والرعاة.
تحذير عبد الله يعكس الوعي المتزايد بعدم تأمين الصحراء الغربية كما ينبغي بالرغم من الجهود المتكررة منذ عام 2017. فالمسافات الشاسعة بين نقاط التفتيش، وانعدام الغطاء الجوي المستمر، يجعل الرقابة شبه مستحيلة. وقد أشار مسؤولون ميدانيون إلى هذه المشكلة دون التوصل إلى حلول دائمة، حيث تبقى بعض المناطق تعاني من أسلوب “رد الفعل” أكثر من “الانتشار الوقائي”.
من ناحية أخرى، يعتقد قائم مقام قضاء الرطبة، عماد الدليمي، أن النتائج الأولية للتحقيقات تشير إلى ضلوع عناصر تنظيم داعش في الحادث، مشيرًا إلى أن طريقة تنفيذ الجريمة “تعكس محاولة يائسة لإثبات الوجود بعد سلسلة من الهزائم”. ويضيف أن استهداف رعاة عزل يعكس ضعف التنظيم ويشير إلى قلة أهدافه الحقيقية.
كما يعرب الدليمي عن امتعاضه من بطء الحركة الأمنية، معتبرًا أن الفشل في تنظيم دوريات مشتركة وتحديث خطط التمشيط يفتح المجال لوقائع مشابهة أخرى. وقد اقترح تفعيل أكثر من مئة دورية عشائرية بالتنسيق مع القوات الأمنية لـ “تمشيط الصحراء عوضًا عن الانتظار لحوادث مؤسفة”.
يمثل هذا الطرح المحلي إشارة إلى أزمة أعمق: فالتحديات الأمنية في العراق لا تزال مقيدة بقلة التمويل وسوء التنسيق بين المحافظات، مما يسمح لنقاط صغيرة بالتحول إلى مصدر تهديد متكرر. وأكدت قيادة العمليات المشتركة فتح تحقيق عاجل لفهم تفاصيل الحادث ضمن مسؤولية اللواء الثامن عشر في الفرقة الخامسة، مشددة على أهمية الوصول إلى الجناة وتقديمهم للعدالة.
على الرغم من أهمية البيانات الرسمية، إلا أن الكثير من المراقبين يرى أن التحقيقات غالبًا ما تقف عند عتبة العناصر الصغيرة دون النظر في العوامل الأعمق. فالتحليل الميداني يظهر أن الصحراء من النخيب إلى الرطبة تشكل نقطة أمنية معقدة تتداخل فيها مسؤوليات قيادات مختلفة، مما يُظهر أن الفجوات الأمنية ما زالت قائمة على الرغم من كثرة البيانات عن “عمليات التطهير”.
وفي النهاية، تكشف جريمة النخيب عن أن تهديد داعش لم ينتهِ بل تحول إلى نوع من التهديد المتقطع، يعتمد بشكل كبير على الرمزية والمفاجأة. ويعكس الوضع الأمني الراهن تحديًا أمام الدولة لتحقيق الأمن في مناطق من الصعب السيطرة عليها مع ضمان حقوق المدنيين في التنقل. كما تظل جهود الحكومة في معالجة هذه الجريمة اختبارًا حقيقيًا لقدرتها على منع إعادة استخدام الرعب في الأغراض الانتخابية أو الطائفية.

تعليقات