تحول الرياض البلدي: رؤية جديدة لإدارة المدن
غسان برنجي
«هدفنا أن تكون الرياض ضمن أفضل عشر مدن في العالم، وهذا يتطلب تطويرًا شاملًا في نماذج العمل الحضري والإداري.» الأمير محمد بن سلمان. في زمن تتسابق فيه المدن لتكون أكثر ذكاءً وكفاءة، تدرك الرياض أن التحدي الحقيقي ليس في بناء الأبراج أو شق الطرق فقط، بل في إدارة الحياة اليومية للسكان بطرق تتوازن فيها التقنية والإنسان.
إصلاحات هيكلة المدينة
من هنا، تم تطوير نموذج العمل الجديد لأمانة الرياض – مشروع يسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين المدينة وسكانها بدلاً من مجرد تغيير الهيكل التنظيمي. عندما أطلقت الأمانة برنامج «تحول الرياض البلدي»، كان الهدف هو خلق واقع إداري جديد يليق بعاصمة تتأهب لتنافس أكبر مدن العالم.
لم يعد المواطن يقيس كفاءة الخدمة بعدد النماذج الورقية أو توقيعات المعاملة، بل بمدى سرعة الاستجابة وشفافية الأداء وملموسية الأثر في حياته. التحول البلدي يشير إلى الانتقال من المركزية إلى الإدارة الحية، حيث لن تُدار الرياض بعد اليوم من خلف المكاتب المغلقة.
النموذج الجديد الذي اعتمدته الأمانة يعتمد على اللامركزية التشغيلية، حيث تم تقسيم العاصمة إلى خمسة قطاعات تشغيلية كبرى، مما يسمح لكل قطاع بالعمل بعقلية الإدارة الذاتية المرتبطة بمركز موحد للحوكمة الرقمية. هذا يسهم في تحويل العملية البلدية إلى نظام متكامل مشابه للمدن الكبرى مثل سيول وسنغافورة.
لكن الجديد ليس في الهيكل فقط، بل في الفلسفة. فقد تحولت البلدية من مجرد جهاز رقابة إلى كيان مرن يتفاعل مع سكانه، حيث تُتخذ القرارات من الميدان، وتُقدم المعلومات من خلال لوحات تحكم لحظية تعرض حالة الخدمات المختلفة.
ويتمثل أحد الأبعاد الرائدة في تجربة «مدينتي»، حيث تعمل المكاتب على تواصل مباشر مع الأمانة من خلال استقبال البلاغات ورصد التحديات. وهذا يتيح للأفراد معرفة من يخدمهم وأن صوتهم مسموع، مما يخلق علاقة من الثقة.
التحول الرقمي له أهمية كبيرة في هذه العملية، إذ لا يمكن أن يتجاوز أي نموذج جديد بدون تكامل البيانات والاعتماد على الأنظمة الرقمية المتطورة. عبر خوارزميات تحليلية، يتم التنبؤ بالمشكلات قبل حدوثها، مما يساهم في إدارة الخدمات بكفاءة ودقة.
التحول من النظام المركزي إلى اللامركزية ليس أمرًا سهلاً، حيث يتطلب حوكمة رقمية صارمة للحفاظ على الانضباط. الأمانة تواجه تحديًا في إيجاد التوازن بين المرونة والرقابة.
رغم الطموحات، هناك تحديات عدة يجب التعامل معها، بدءًا من بناء الكفاءات إلى ضمان التمويل للاستدامة التشغيلية، مرورًا بضرورة الربط بين الجهات الحكومية المختلفة. النجاح يعتمد على تحسين تجربة المواطن وتحويل المؤسسة إلى شريك حقيقي في حياته، من خلال الاستجابة السريعة لمطالبه.
لضمان النجاح، يجب تعزيز الحوكمة الشفافة، إشراك السكان في القرارات، والاستمرار في الابتكار. هذا التحول يمثل نقطة تحول حضارية في إدارة المدن السعودية، حيث يرتفع مستوى جودة الحياة ويؤسس لعاصمة أكثر إنسانية.
مع رؤية 2030، تُعتبر الرياض مثالًا حيًا للتجارب البلدية العصرية، إذ تعيد تشكيل العلاقة بين المدينة وسكانها، مما يجعل منها نموذجًا يحتذى به في العالم. يتحقق بذلك حلم المدينة التي تفهم سكانها وتقدم لهم خدمات تُعزز من كرامة العيش.
تعليقات