مجتمع أسري صحي
في عصر التحولات السريعة والتغيرات الاجتماعية العميقة، يسعى الإنسان للاقتراب من جوهر ذاته، ليكتشف إنسانيته ويعيشها بصدق وتوازن. إلا أن بعض الأصوات ما زالت تحاول تثبيط هذا التحول بخطابات وعظية صارمة، معتقدة أن الانفتاح يمثل تهديداً للقيم. فالمشكلة لا تكمن في الاندماج نفسه، بل في بعض العقول التي لم تستوعب التغيير، وفي النفوس غير الناضجة، التي لا تفهم أن التنوع هو جمال وليس تهديداً. تلك العقول التي نشأت في بيئات مغلقة ترى في الاختلاف ضعفاً، وفي الثبات أمناً، ويفوتها أن النضج يتحقق بالتنوع، وأن الإنسانية تزدهر بتقبل الآخر باختلاف أفكاره ومظهره واختياراته.
لقد أظهرت الوقائع الراهنة كيف يمكن أن يكشف الانفتاح عن التناقضات السلوكية لدينا، ويظهر مدى حكمنا على المختلف وكأننا أوصياء على الحقيقة. الاختلاف، في جوهره، هو نعمة تفتح أبواب الفهم وتمنح الحياة توازنها، كما تساهم الألوان المتعددة في حديقة الزهور في تكوين جمالها، فإن تنوع طبائع البشر يسهم في إحداث جمال التعايش الإنساني.
الأسرة كمثال صحي
في إطار الأسرة الواحدة، يتفاوت الإخوة والأخوات في أفكارهم وميولهم ومظاهرهم، ولكن يجمعهم الحب والتفاهم، لأن الروح الأساسية للأسرة الصحية هي القبول بدلاً من الإلغاء، والاحترام بدلاً من السيطرة. النموذج الأسري الصحي يتيح لأبنائه فرصة تكوين هويتهم والتعبير عن أفكارهم دون قلق، فهو يرى في الحرية مسؤولية، وفي التنوع قوة وليس تهديداً. إذا نظرنا إلى علاقاتنا الأسرية من منظور التوجيه الإلهي، وأدركنا أن الله هو الهادي، سنقترب أكثر من مجتمعات تحب بعضها البعض، وتتصالح مع ذاتها، مدركةً أن التعافي يبدأ من منازل تحتضن الاختلاف قبل أن تعلِّمه.

تعليقات