الانتخابات في العراق: ضرورة المرحلة الانتقالية
منذ إجراء أول انتخابات في العراق بعد انتهاء الاحتلال الأمريكي عام 2003، تم تبني مفهوم الانتقال المباشر إلى انتخابات دون وجود مرحلة انتقالية تهيء لإقامة مؤسسات فعالة وتعزيز العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة. يرى الباحث محمد علي الحكيم أن هذا الخيار يعد من أخطر الأخطاء التي حدثت منذ ذلك الحين وما زالت تداعياته تؤثر على النظام السياسي الحالي.
التغيير السياسي: الحاجة للتهيئة
تشير الدراسات المقارنة مع دول أخرى مرت بمراحل انتقالية، مثل بعض دول أوروبا الشرقية وشرق آسيا، إلى أن الانتقال المباشر نحو الانتخابات غالبًا ما يؤدي إلى تركز السلطة في يد قوى تتبرقع بالمشروعية الانتخابية لكنها تفتقر إلى قاعدة مؤسسية صلبة. يجب أن توفر عملية الانتقال بيئة ملائمة، تتضمن دستورًا مؤقتًا، مؤسسات أمنية ومحاكم مستقلة، بالإضافة إلى بناء مجتمع مدني وتعزيز قيم ثقافية جديدة تناسب عملية التنافس السياسي الحر. يوضح الحكيم أنه كان من الضروري أن يتمتع العراق بفترة انتقالية لفترة تمتد لعدة سنوات، تتناول إعادة بناء مؤسسات الدولة وتحسين الواقع الاجتماعي والسياسي.
يبرز النقد الذي يقدمه الحكيم حول كيفية استغلال القوى الحزبية والطائفية لحالة عدم الوعي السياسي لدى المواطن، مما ساهم في تعزيز هيمنتها مبكرًا بعد أول انتخابات. يضيف أن تلك القوى استغلت ضعف الوعي السياسي للمواطنين الذين خرجوا من سنوات من القمع، ما جعل تلك الانتخابات بمثابة آلية لتعزيز نفوذها والتلاعب بالهويات الفرعية.
يعتبر الحكيم أن الخطأ الأساسي لم يكن مجرد خطأ سياسي، بل كان من حيث البناء المؤسسي، حيث لم يمر العراق بما يعرف في أدبيات الديمقراطية بالمرحلة الانتقالية، مما أدى إلى تشكيل نظام سياسي ضعيف يعتمد على التوازنات الطائفية بدلاً من المؤسسات الدستورية القوية. كان ينبغي على العراق إعادة صياغة نظامه الدستوري المؤقت وضمان استقلال السلطات الثلاث قبل التوجه نحو الانتخابات الأولى. وفقًا له، كانت الحاجة ملحة لإصلاح شامل يمتد لثماني سنوات على الأقل يهدف إلى إعادة بناء نظام إداري واقتصادي وتعليمي فعّال.
وفي النهاية، يؤكد الحكيم أن التحول الديمقراطي يعتمد على تهيئة المجتمع قبل التوجه نحو صناديق الاقتراع، فالناس الذين كانوا بعيدين عن الحياة السياسية لفترات طويلة لم يكونوا مستعدين لخوض الانتخابات بشكل نزيه. ويظهر التحليل أن الخلل البنيوي الذي نشأ بعد عام 2003 لا يزال قائمًا اليوم، مما يستدعي مراجعة شاملة للنظام السياسي القائم منذ ذلك الحين لتعزيز الوعي السياسي وضمان نزاهة العملية الانتخابية من خلال وضع قيود صارمة على التمويل الانتخابي. إن تصحيح المسار الديمقراطي يحتاج إلى الاعتراف بأن النظام العراقي انطلق من أٌسس غير جاهزة، مما يتطلب فترة انتقالية واضحة تهدف إلى النضج المؤسسي والاجتماعي.

تعليقات