العراق: السلطات تشدد قبضة السيطرة على الإعلام الرقمي بحجب قنوات ومؤثرين ومواقع إخبارية

تنامي قيود المحتوى الرقمي في العراق

شهد العراق في الأشهر الأخيرة تسارعًا في اتخاذ قرارات وإجراءات تستهدف المؤثرين وصنّاع المحتوى ومدارس الصحافة، مما أثار قلق المجتمع بشأن تحول “تنظيم المحتوى” إلى نمط ممنهج لتقييد الحريات الرقمية والإعلامية.

تقييد الفضاء الإعلامي

أوضح علي الحبيب، المختص في الشأن الإعلامي والحقوقي، أنّ حجب السلطات العراقية لمؤثرين على منصة “تيك توك” عقب حجب قنوات على “تلغرام” يمثل تصعيدًا في محاولة تقييد الفضاء الرقمي والإعلامي. وأكد أنّ هذه الخطوات تعبر عن توجه رسمي متزايد للسيطرة على المحتوى الرقمي تحت مسميات الأمن والقيم الاجتماعية، ولكن غالبًا ما تُتخذ هذه الإجراءات دون وجود مسار قانوني أو قرارات قضائية واضحة، مما يعد انتهاكًا لحرية التعبير المنصوص عليها في الدستور العراقي.

كما يُعتبر التوسع في سياسة الحجب خطرًا، لا سيما مع انتقائية التطبيق، حيث تُقمع أصوات صانعي المحتوى بتهم “الإساءة إلى الذوق العام” أو “المحتوى الهابط”، فيما تُغض الطرف عن خطابات طائفية وتحريضية من قبل بعض السياسيين. يغذي ذلك انطباعًا بعدم الاتساق في إدارة القضايا الإعلامية، مما يستدعي تعزيز التنسيق بين الهيئات القضائية والتنظيمية والإعلامية لضمان التعامل العادل والمساواة في جميع الحالات.

لم يقتصر الأمر على صناع المحتوى فقط، بل امتدت إجراءات الحجب إلى مجموعة من المواقع الإخبارية المحلية التي تناولت قضايا فساد أو انتقدت السياسات الحكومية. وقد أفاد بعض الصحفيين بأن منصات إعلامية تفاجأت بإيقاف نطاقاتها دون إشعار مسبق، مما يُعد رسالة ردع لكل من يخالف السلطة في الرأي أو التحقيق.

سابقًا، فرض العراق قيودًا مؤقتة على تطبيقات التواصل الاجتماعي خلال احتجاجات تشرين بدعوى حفظ الأمن، مما عزز المخاوف من تكرار استخدام الحجب كوسيلة لإدارة الرأي العام. كذلك، ومع بداية عام 2023، بدأت السلطات بحجب قنوات “تلغرام”، ثم فرض رسوم على المؤثرين، وتجميد المدفوعات المالية الخاصة بـ “تيك توك”، وصولًا إلى حملات إغلاق صفحات وصنّاع محتوى معارضين في عام 2025.

يشير مراقبون إلى أن هذا الاتجاه يُظهر تحول الحكومة من إدارة تقليدية للفضاء الإعلامي إلى إدارة أمنية، تستخدم أدوات الدولة للضغط على حرية النشر. ويُذكر أن وزارة الاتصالات وهيئة الإعلام والاتصالات لا تنشر تفاصيل قوانين الحجب إلا بصياغات فضفاضة، مما يفتح المجال للتوظيف السياسي الانتقائي، وهو ما يهدد حرية الإنترنت في العراق.

وفق تقرير منظمة “فريدوم هاوس”، تم تصنيف العراق ضمن فئة “غير حر رقميًا”، حيث حصل على 32 نقطة من 100 في مؤشر حرية الإنترنت، مما يعكس التحديات التي تواجه البلاد بسبب الرقابة الحكومية وحجب المواقع المستقلة. يُظهر الوضع الحالي تدهورًا في حرية التعبير وصحافة التحقيق، ويؤكد على ضرورة اعتماد معايير واضحة في إدارة المحتوى الرقمي، مع التأكيد على أهمية الحوار بدلاً من الحجب الشامل.