في الوقت الذي اعتقد فيه الكثيرون أن الصراع في غزة قد انتهى، اشتعلت جبهة جديدة داخلية تعكس حالة الفوضى والغليان الفلسطينية. برزت الصراعات بين حماس والعشائر الفلسطينية، مما أدخل غزة في دوامة جديدة من العنف والانقسامات السياسية والاجتماعية.
ترامب يراقب التصعيد الداخلي في غزة
انتقلت المعركة من مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي إلى صراع داخلي طاحن، حيث تنذر الاشتباكات الأخيرة في شمال القطاع ومدينة غزة بخطر جسيم. وفي ظل هذه الظروف، أصدرت القيادة الأميركية بيانًا يدعو إلى “وقف الاقتتال الداخلي فورًا”. لكن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كان له رؤية مختلفة، إذ اعتبر أن تصفية بعض الفصائل لم يزعجه، بل قد يُعتبر جزءًا من إعادة ترتيب الأمور في غزة.
الفوضى وسيلة لإعادة تشكيل المشهد الفلسطيني
ترامب لا يسعى إلى محاربة جديدة، بل يفضل أن تتصارع الأطراف المحلية لتظهر نظاماً جديداً يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة دون تكلفة بشرية مباشرة. كما أن الولايات المتحدة تظهر كلاعب أساسي في إعادة ترتيب القوة في غزة، حيث تسعى لتهيئة الظروف التي تتيح للعشائر الصعود كمراكز قوة جديدة.
مع تصاعد قوة العشائر الفلسطينية وكسرهم احتكار حماس، أصبح المشهد أكثر تعقيدًا. اندلعت الاشتباكات في عدة مناطق بغزة، مما أكّد على تحوّل المجتمع الفلسطيني نحو البنى القبلية كقوى محلية. حماس، التي فقدت قبضتها على الشمال، لم تعد قادرة على السيطرة كما كانت في السابق. ضرورة التعامل مع العشائر باتت واضحة، حيث أصبحت تلعب دورًا حاسمًا في المعادلة.
وكما هو متوقع، تلقت إسرائيل الأمر بترحيب، حيث بدأت بتأسيس علاقات مع بعض العشائر وتعزيز دورها كقوة ميدانية. ولكن هذا التحول يحمل في طياته مخاطر كبيرة؛ فلكل عشيرة تاريخ من الدم والثأر. العلاقة مع الاحتلال قد تؤدي إلى عواقب وخيمة.
في خضم هذه الأحداث، خسر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الكثير من أوراقه، إذ فقد القدرة على صنع القرار وتحول من فاعل رئيسي إلى تابع في سياق سياسي أُجبر على تقبله. ترامب قاد هذا التحول من خلال سياسة فرض الأمر الواقع، مما وضع نتنياهو في موقف حرج.
الثلاثي الجديد، واشنطن وتل أبيب وغزة، يسعى لتحقيق توازنات جديدة، ولكن مع استمرار الصراعات الداخلية، يبقى هناك تساؤلات حول إمكانية ولادة شرعية جديدة من هذه الفوضى. بينما تسعى غزة إلى عدم الاكتفاء بالوسائل الأمنية، تؤكد على أن الإرادة الشعبية يجب أن تكون الأساس لصنع أي سلام محتمل.
المشهد المتشابك في غزة بمثابة تجربة إنسانية وسياسية تعيد تعريف القوة في المنطقة، حيث الخلط بين الدم والعشائر ومقتضيات الصفقات. الجهود المبذولة لإيجاد حلول وسطية قد لا تكون كافية، فغزة تمتلك القدرة على المقاومة، والمجتمع الذي نشأ من تحت الركام لا يمكن السيطرة عليه إلا بموافقته.

تعليقات