فقر الطفولة في الطاعة: كيف تؤسس التربية على الطاعة لظهور الاستبداد في المجتمع

استبداد المجتمع وتأثيره على الأفراد

يعتبر المختص في الشؤون الاجتماعية والتربوية، فالح القريشي، أن جذور الاستبداد تكمن في أعماق المجتمعات بدلاً من أن تكون محصورة في الطبقة السياسية فقط. وفي تصريحاته، أشار إلى أن الشعوب هي مصدر المستبدين نتيجة لتقبلها ثقافة الخضوع منذ المراحل المبكرة من التربية. كما أكد أن الاستبداد ليس نتاج سلطة فردية تعبر عن نفسها في قمة الهرم السياسي، بل إنه يعتمد على نسيج المجتمع وممارساته الثقافية والاجتماعية.

طغيان الثقافة وقبول التسلط

خلال حديثه لـ”بغداد اليوم”، أوضح القريشي أن ظاهرة الاستبداد تتجذر في الثقافة والأعراف المجتمعية، حيث تبدأ أنماط السيطرة من إطار الأسرة، حيث يميل بعض الأفراد إلى فرض سلطتهم دون أي مبرر واضح. هذا التقبل للممارسات الاستبدادية داخل العائلة يعمل على ترسيخ مفهوم الخضوع، مما يؤدي إلى انتقال هذه الثقافة إلى أماكن أخرى مثل المدارس وأماكن العمل، لتصبح سلوكيات جماعية تبرر تسلط الرأي وسلب حرية الآخرين باسم القوة أو الهيبة الاجتماعية.

كما نبّه القريشي إلى أن منبع الاستبداد لا يكمن في المراكز السياسية بل يبدأ من داخل المنزل، حينما تُقمع حرية الطفل في إبداء رأيه أو تُكافأ الطاعة العمياء على حساب التفكير المستقل. وللتصدي لهذه الظاهرة، دعا إلى ضرورة الإصلاح في نظام التربية والتعليم، وغرس قيم المساواة والحرية والمساءلة منذ الطفولة.

في ختام حديثه، أشار القريشي إلى أن بناء مجتمع ديمقراطي حقيقي يحتاج إلى أكثر من مجرد شعارات سياسية، بل يجب أن يكون مصحوباً بوعي يومي بأهمية ممارسة وصون الحرية داخل الأسرة قبل المطالبة بها من الدولة. كما تؤكد دراسات اجتماعية في العراق والعالم العربي أن الاستبداد لا يتلخص في الحاكم أو النظام السياسي، بل هو نتيجة لمنظومة من القيم والسلوكيات التي تبدأ من أصغر وحدات الحياة اليومية، مثل الأسرة والمدرسة ومواقع العمل، حيث تُعاد ممارسات السلطة الأبوية والتسلط بشكل غير مبرر.

كما أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين ضعف الوعي بحقوق الأفراد وانتشار ثقافة الطاعة والخضوع، وهما عاملان يمهدان الطريق لتأسيس أنظمة ديكتاتورية تمارس السيطرة تحت مسميات النظام أو المصلحة العامة.