35 مليار دولار سنويًا تخرج من الاقتصاد.. و775 مليارًا خسائر دون تسجيل أثر

الفساد وتداعياته على الاقتصاد العراقي

يعاني العراق من حالة من الفساد البنيوي، حيث أصبح الفساد ظاهرة متورطة بشكل أساسي في تركيبة السلطة، مما يؤثر سلبًا على القرار السياسي والاقتصادي. وفقًا للتقديرات، تكبد العراق خسائر تتجاوز 600 مليار دولار بسبب الفساد الإداري والمالي خلال عقدين من الزمان، في الوقت الذي لم يتجاوز فيه الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية 20% من الإيرادات النفطية.

هدر الأموال العامة وأثره على مؤسسات الدولة

الحصيلة المذكورة، التي عرضها رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي في عام 2023، تغطي فقط حتى منتصف عام 2020، مما يشير إلى أن السنوات الخمس اللاحقة قد زادت من حجم الفساد دون أي تقارير رسمية شاملة تكشف عن الأرقام الفعلية. إذا تم احتساب معدل الخسائر السنوية نفسه، فإن الفساد قد يضيف إلى الهدر نحو 176 مليار دولار، مما يجعل إجمالي الخسائر يتجاوز 775 مليار دولار، وهو ما يعادل خمس ميزانيات عراقية كاملة لعام 2024.

تشير هذه المعادلة الحسابية إلى فشل الدولة في مواجهة الفساد، إذ أن الرقم الكبير يجسد مدى ضعف مؤسسات الدولة وقدرتها على تقديم الخدمات الأساسية. على الرغم من أن إجمالي الإيرادات النفطية منذ عام 2003 تجاوز 1.2 تريليون دولار، إلا أن الفساد خلق فجوة شاسعة بين هذه الثروة ومستوى التنمية.

التحليلات تشير إلى أن الخسائر تمثل “رأس مال سياسي” مفقود، حيث أثر الفساد على الثقة العامة في الدولة وعلى تصنيفها في مؤشرات النزاهة العالمية. في تقرير 2024، عانى العراق من تراجع حيث احتل المرتبة 140 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد. هذا التراجع يعبر عن انهيار الثقة في المؤسسات الرقابية بشكل أكبر مما يُظهره حجم الأموال المنهوبة، مما يجعل كل محاولة إصلاح تمثل اختبارًا للدولة وفعاليتها في محاسبة نفسها.

عندما نتحدث عن خسارة 600 مليار دولار، فإننا نتحدث عن أموال يمكن أن تمول ميزانية العراق لأربعة سنوات دون الحاجة إلى تصدير النفط. ومع إضافة القضايا الجديدة مثل “سرقة القرن”، التي تزيد وحدها عن 2.5 مليار دولار، يتضح أن الخسائر الفعلية تفوق الأرقام الرسمية بشكل كبير. حيث لم تُعلن أي حكومة منذ عام 2020 عن كشف مالي يتعلق بالأموال المستردة، مما يشير إلى أن الفساد ما زال مستمرًا.

أرقام الفساد تخزن إمكانات كبيرة لبناء مؤسسات حديثة، مثل المدارس والمستشفيات، ولبناء بنية تحتية كفيلة بتحسين حياة المواطنين. وكان النائب ياسر الحسيني قد أكد أن الجهات القضائية بدأت بمكافحة الفساد بإحالة 22 ملفًا مهمًا إلى القضاء، مما يعكس مرحلة جديدة من الجهود المبذولة في محاربة الفساد. رغم هذه الخطوات، تبقى التحديات قائمة بخصوص كيفية تحقيق العدالة وتجاوز الضغوط السياسية.

لا يعد الفساد في العراق مجرد فساد أفراد بل نظام متكامل يعكس تداخل النفوذ السياسي والإداري. وهذا يتطلب إصلاحًا إداريًا حقيقيًا لضمان استقلالية المؤسسات. لا يمكن استعادة الثقة في الاقتصاد العراقي دون إرادة سياسية حقيقية وإجراءات قانونية مناسبة، إذ أن الفساد يمثل عائقًا رئيسيًا أمام التنمية.

التحذيرات من أن توقيت إحالة الملفات قد يكون مرتبطًا بأهداف سياسية، تدل على أن الإصلاح يحتاج إلى خطوات فعلية واستدامة، وليس مجرد تحركات آنية. وفي النهاية، إن معالجة الفساد من خلال قدرة الدولة على محاسبة نفسها تعتبر الخطوة الأساسية نحو تحقيق التطور والعدالة الحقيقية.