السعودية تستعد للثورة الرقمية: ملامح الاقتصاد الرقمي الحديث

تحول قطاع الفضاء في المملكة العربية السعودية

تشهد المملكة العربية السعودية تحولات كبيرة في قطاع الفضاء، مما يعكس طموحات الدولة لتحقيق الانتقال من المشاركة المحدودة في المشاريع الفضائية الدولية إلى تطوير قدرات فضائية مستقلة تساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. وفي هذا الإطار، برز اتفاق “سبيس بيلت السعودية” مع شركة الإطلاق الأمريكية “آي روكيت”، الذي تم توقيعه في أغسطس 2025 بقيمة تصل إلى 640 مليون دولار ولمدة خمس سنوات، كأحد أبرز محاور هذا التحول. يهدف الاتفاق إلى إنشاء شبكة من الأقمار الصناعية منخفضة المدار (LEO) لتأمين الاتصالات ونقل البيانات داخل المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي.

مشروعات الفضاء السيادية

لا تقتصر أهمية هذه الصفقة على قيمتها المالية، بل تعكس أيضاً رمزية اقتصادية واستراتيجية كبيرة. فالمملكة لا تستثمر فقط في خدمات الإطلاق، بل تسعى لبناء بنية تحتية فضائية سيادية تُدار محلياً، تخدم أهداف الأمن القومي والاقتصاد الرقمي وفق رؤية 2030. تاريخياً، تعاونت السعودية مع جهات عالمية معروفة، مثل “لوكهيد مارتن” و”أريان سبيس”، لكنها كانت تعاني من نقص في القدرات المحلية لإطلاق الأقمار والشبكات الفضائية. لذا، يسعى مشروع “سبيس بيلت السعودية – آي روكيت” إلى ملىء هذه الفجوة من خلال إنشاء نظام اتصالات آمن بالفضاء يُعزز الأغراض الدفاعية والتجارية.

يركز المشروع على الاتصالات المشفرة ونقل البيانات الحساسة عبر أقمار صغيرة تحت الإدارة الوطنية، مما يضمن السيطرة الكاملة على البيانات. يتماشى هذا مع رؤية مغايرة لبعض شبكات الاتصالات التجارية مثل “ستارلينك”، حيث لا تركز السعودية على السوق المستهلكة بل تهدف إلى توفير اتصالات آمنة للجهات الحكومية والشركات الكبرى.

يشمل المشروع تقنيات متقدمة لضمان سلامة البيانات باستخدام تقنيات البلوكتشين، بالإضافة إلى تبني مفهوم “الإنترنت الفضائي السيادي”. يمثل ذلك خطوة مبتكرة باتجاه إنشاء “سحابة فضائية” تُؤمن معالجة البيانات بعيداً عن الأنظمة الأرضية التقليدية. ومع انتقال المملكة نحو رقمنة القطاعات المختلفة، يتوقع أن توفر السيناريوهات الجديدة اتصالاً محمياً يمكن الاعتماد عليه في ميادين حساسة مثل الأمن العسكري والمعاملات المالية.

تعمل السعودية بشكل استراتيجي على تقليل اعتمادها على الدول الأخرى من خلال خلق بيئة محلية مستدامة في الفضاء. تتضمن الشراكة التدريب المحلي وتطوير المهارات الوطنية، وهو ما يعزز فرص العمل ويزيد من الاستثمارات في مجال التكنولوجيا المستقبلية. يتناسب هذا الاتجاه مع سياق المنافسة الإقليمية بين دول الخليج، حيث تسعى كل دولة لتعزيز مكانتها في هذا المجال.

في النهاية، يشكل مشروع “سبيس بيلت السعودية” خطوة هامة نحو استثمار رؤية استراتيجية للسيادة الاقتصادية، حيث يتم تحويل الفضاء إلى أداة للسيطرة على البيانات وحماية الاقتصاد الوطني، مما يمهد الطريق لرؤية مستقبلية أكثر استدامة وتقدماً في عصر التكنولوجيا الرقمية.