قانون الأحوال الشخصية الجعفري وتأثيره على المجتمع العراقي
منذ محاولة تشريع قانون الأحوال الشخصية الجعفري عام 2014، استمر الجدل القائم في العراق حول العلاقة بين القانون المدني الموحد للأحوال الشخصية والرغبة المتزايدة لتقسيم المرجعية القانونية حسب الانتماء المذهبي. رغم تجميد المشروع آنذاك بسبب الضغوط السياسية والشعبية، عاد القانون ليطرح بصيغته المعدلة في عام 2025، ليعيد النقاش حول مستقبل العراق: هل سيبقى بلداً مدنياً يخضع جميع مواطنيه لقانون شامل، أم سيتجه نحو تعزيز الطابع الديني-المذهبي في تشريعاته؟
التحديات المتعلقة بالقانون الجديد
في سياق هذا النقاش، ظهرت في الآونة الأخيرة تقارير تتحدث عن “نزوح نساء مع أطفالهن من بعض المناطق إلى إقليم كردستان خوفاً من تطبيق القانون الجعفري”، وهو ما نفاه بشدة عضو مجلس النواب أمير المعموري، مؤكداً أن هذه الأنباء غير صحيحة ولا تستند إلى أية مصادر رسمية أو تقارير موثوقة. وأوضح أن تداول مثل هذه الشائعات يعد محاولة لإثارة القلق وزعزعة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.
كما شجع المعموري وسائل الإعلام والمستخدمين على ضرورة الدقة والتحقق في نقل المعلومات، مبرزاً أن الجهات المختصة ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد مروجي الأكاذيب.
تتواصل المعارضة للقانون الجعفري، حيث اعتبرته خطوة نحو تعزيز المذهبية داخل البنية التشريعية، مما يهدد وحدة القانون العراقي الذي تم تأسيسه بعد عام 1959. القانون الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في فبراير 2025 سمح بالاحتكام إلى الفقه الجعفري في مسائل مثل الزواج والطلاق والإرث، إلا أن أحد بنوده يتيح لأحد الوالدين تحويل العقد من مدني إلى جعفري بإرادته المنفردة، مما يفتح الأبواب لنزاعات معقدة خاصة في قضايا الحضانة.
حذرت تقارير حقوقية من أن هذه الفقرة قد تؤدي إلى حرمان الأمهات من حق الحضانة بعد عمر معين، مما يمثل تراجعاً خطيراً عن المكاسب التي حققتها القوانين المدنية. ووفقاً لتقارير صحفية، مثل تلك التي أعدها حسام الحاج، تم الإبلاغ عن آلاف الزيجات التي تم تحويلها إلى عقود جعفرية ومئات الأمهات اللواتي غادرن إلى إقليم كردستان لحماية أطفالهن.
على الرغم من هذه الأرقام المثيرة، إلا أنها لم تصدر عن جهات رسمية، مما يجعلها بحاجة للتحقق. لكن انتشارها في المجتمع يعكس الخوف من القانون الجديد وما قد ينجم عنه من آثار سلبية. في المقابل، يبقى القانون المدني للأحوال الشخصية الذي تم إقراره في 1959 قاعدة متكاملة لجميع العراقيين، بينما يسعى القانون الجعفري إلى إنهاء هذه الوحدة عبر تأسيس نظام يتماشى مع الانتماءات المذهبية.
تثير التحليلات القانونية القلق من أن إدخال هذا التوجه المذهبي قد يؤدي إلى تفشي “التشظي القانوني” وتباين الحقوق حسب المذاهب، مما يقوض مفهوم الدولة المدنية. ورغم هذا الجدل الفقهي، يعتبر تمرير القانون مؤشراً على تغيرات سياسية تهدف إلى إعادة صياغة هوية العراق نحو دولة دينية. تشير التجارب التاريخية إلى أن الدول التي تسير في هذا الاتجاه قد تفقد حيادها القانوني، مما يحوِّل القانون من أداة تنظيمية إلى وسيلة للصراع السياسي والاجتماعي.
بينما ينفي المعموري أي نزوح ويمتد الحديث حول إحصاءات مقلقة بشأن حالات الحضانة، يجد العراق نفسه في موقف صعب يتعلق بشفافية المؤسسات والخوف المتزايد في الخطاب العام. الجوهر يتجاوز القضايا الفردية نحو سؤال أعمق: هل يمثل القانون الجعفري نقطة تحول نحو دولة دينية تفقد ديمقراطيتها وحقوق مواطنيها؟ إن الإجابة عن ذلك ستتحدد من خلال قدرة المؤسسات على الفصل بين الحقائق والأكاذيب والحفاظ على الحقوق الدستورية للمواطنين.

تعليقات