إرث متواصل.. من قائد (موحد) إلى قائد (ملهم)
يظل يوم الخامس من شوال 1319هـ / 15 يناير 1902 م الذي أعلن فيه المنادي من على شرفات المصمك في الرياض (الملك لله ثم لعبدالعزيز) يومًا غير عادي، ليس فقط بسبب أهمية الحدث وما تلاه من تداعيات، ولكن أيضًا لتوقيته وتاريخه الدقيق.
قصة تطويرية من الأجداد إلى الأحفادبعد انهيار الدولة السعودية الثانية، غادر عبدالعزيز، الذي لم يكن يتجاوز السادسة عشر من عمره، الرياض مع والده، ليعيش بعيدًا عنها لمدة عشر سنوات، كانت فترة حافلة بأفكار مؤلمة وطموحات مترافقة مع حكومة غائبة. وفي بداية شهر رمضان من عام 1319هـ، انطلق عبدالعزيز ورجاله من الكويت، وفي الأيام المباركة التي تلت خيموا قرب الرياض، ليعلنوا استعادة مجد تاريخ أسلافهم في خامس أيام عيد الفطر.
ليالي شتائية عذبة في صحراء قاحلة، وأيام مفعمة بالأمل والدعاء، تزامنت مع انتصار مستلهم من أحداث تاريخية إسلامية عظيمة كغزوة بدر. حينما احتفل عبد العزيز بالنصر الذي تحقق في وقت عيد الفطر، تبلور المعنى الحقيقي لعبارة “العيد عيدان”.
إن تسلسل الأحداث في تلك الأيام لا يمكن أن يكون وليد صدفة، بل هو دليل على بُعد نظر الملك عبدالعزيز ومهارته السياسية وفهمه العميق للدين، إذ كانت طموحاته تهدف إلى إقامة كيان متين قائم على استقلالية تامة بعيدًا عن التأثيرات الخارجية.
هذا الإرث الذي ورثه عبدالعزيز من أسلافه، نسجت خيوطه إلى أبناءه، الذين واصلوا البناء وفق كل مرحلة. واليوم، نجد أنفسنا تحت قيادة سلمان بن عبدالعزيز، حيث نعيش تحولات كبرى في المجتمع والاقتصاد والسياسة خلال العقد الأخير.
تحولات تترجم رؤية جديدة ارتكزت على تطوير الفكر، وتعزيز الانتماء، واستقلالية القرار. لقد عُين الأمير محمد بن سلمان، كمشعل للمرحلة المقبلة، متبنيًا رؤية 2030 التي تركز على رفاهية المواطن وتنمية الوطن في مسارين متوازيين: الأول، تعزيز النمو الداخلي والتحديث، والثاني، تبني سياسة خارجية متوازنة.
لقد تغيرت مكانة المملكة بشكل جذري، من لاعب عابر إلى كيان مؤثر في الساحة الدولية، وأصبحت مركزًا يجذب انتباه العالم ويعزز من مكانتها كعاصمة للعرب ومهوى للمسلمين.
اليوم، عندما نحتفل بالذكرى 95 لتوحيد المملكة، نجد أن هناك مناسبات أخرى نحتفي بها، مثل مرور 11 عامًا على بيعة الملك سلمان، و100 عام على قرار عبدالعزيز بإحياء جماعة المسلمين، وإنجازات رؤية 2030 التي حقق معظم أهدافها قبل الموعد المحدد. نحن نحتفي بالتحولات التي تعزز قيم الشريعة والعدل والمساواة.
صفحات جديدة تُكتب، بينما يبقى تاريخنا وإرثنا حيًا بيننا، تظهر فيه رؤى الموحد عبدالعزيز وجيل حفيده الملهم محمد بن سلمان. رؤية تعزز فخر المواطن بوطنيته، فرغم كل التحديات تبقى روحنا صلبة كجبالنا وروحية متمسكة كما هي صحارانا.

تعليقات