الإيرادات غير النفطية في العراق
تعتبر الإيرادات غير النفطية في العراق واحدة من أبرز القضايا التي تكشف عمق الاعتماد على收入 النفط، حيث تظل خزينة الدولة متعلقة تقريبًا بشكل كامل بالتدفقات النفطية. وعلى الرغم من أنه من المفترض أن تكون الموارد الأخرى مصدرًا أساسيًا لدعم الاستقرار المالي، إلا أن هذا الاعتماد المفرط يضعف مبدأ العدالة الاقتصادية ويؤثر على توزيع الثروة بشكل عادل. وفقًا لبيانات وزارة المالية، شهدت الإيرادات غير النفطية ارتفاعًا من سبعة في المئة عام 2023 إلى تسعة في المئة عام 2024، ثم لعشرة في المئة حتى تموز 2025. ومع ذلك، فإن هذه الأرقام تظل متواضعة مقارنة بالفرص الكبيرة المتاحة في مجالات مثل السياحة والمنافذ والجمارك، مما يدل على وجود أزمة في آليات التحصيل أكثر من كونها ناتجة عن نقص الموارد.
الموارد البديلة
في قطاع السياحة الدينية، يعد العراق وجهة رئيسية لملايين الزائرين سنويًا، حيث تجاوز عدد الزوار الأجانب خلال زيارة الأربعين أربعة ملايين. تشير الدراسات الأولية إلى أن متوسط الإنفاق يتراوح بين مليار وثلاثة مليارات دولار سنويًا، وتجاوزت العوائد المباشرة وغير المباشرة تسعة مليارات دولار في عام 2023. ومع ذلك، يبقى نصيب خزانة الدولة من هذه العوائد محدودًا، بسبب ضعف آليات الجباية وغياب التشريع الضريبي المناسب. خبراء القانون الدستوري يرون أن غياب نظام ضريبي صارم على خدمات السياحة يحرم الدولة من عوائد مشروعة، مما يجعل الإيرادات المباشرة لا تتجاوز عشرات الملايين من الدولارات، بينما يمكن أن تصل الحصيلة الحقيقية إلى مئات الملايين من الدولارات عبر آليات أكثر ذكاءً.
أما المنافذ والجمارك، فهي تمثل مثالًا صارخًا على الفجوة بين الواقع وما هو ممكن. يقدر أن هذه المنافذ يجب أن تشكل المورد الثاني للدولة بعد النفط. لكن الفساد والتلاعب يستنزفان جزءًا كبيرًا من العوائد. وفقًا للتقارير، بلغت الإيرادات الجمركية في عام 2025 نحو 2.7 تريليون دينار، مع توقعات ببلوغها ثلاثة تريليونات بنهاية العام. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن الفاقد الجمركي قد يصل إلى ثلاثين في المئة من العوائد. في حال تم إغلاق هذه الفجوة عبر الأتمتة الشاملة، يمكن أن ترتفع العوائد بسهولة إلى مستويات أعلى بكثير.
كما أن الموانئ العراقية تعكس صورة مشابهة، إذ تشير البيانات إلى أن العوائد منها ينبغي أن تُدار بشفافية مركزية. خلال الربع الأول من عام 2025، حققت الموانئ عوائد بلغت 314 مليار دينار، أي ما يعادل تقريبًا 240 مليون دولار. لكن التحسين في إدارة العمليات وتحسين كفاءة التشغيل يمكن أن يزيد العوائد بشكل كبير. المعلومات تشير إلى أن العراق يخسر جزءًا من موارده بسبب افتقار نظام الجباية الموحد.
مقارنة بدول الخليج، تظهر الفجوة بشكل جلي. المملكة العربية السعودية، مثلاً، تمكنت من رفع مساهمة الإيرادات غير النفطية لأكثر من أربعين في المئة من الميزانية من خلال تطوير السياحة ومراكز الاستثمار. وفي الوقت نفسه، تمكنت الإمارات من تقليل مساهمة النفط في الناتج المحلي إلى أقل من ثلاثين في المئة. في ظل هذه الظروف، يبقى العراق في دائرة الاعتماد على النفط بينما يمتلك موارد ضخمة من السياحة والمنافذ، لكن الفساد ونقص البنية التحتية تعيق استثمار هذه الموارد بشكل فعال. لتحقيق النجاح، يحتاج العراق إلى إصلاحات جذرية تعيد بناء العلاقة بين الدولة والاقتصاد.

تعليقات