أزمة التعليم في المملكة: تأثيراتها ومتطلباتها
في مقال سابق، قمت بتسليط الضوء على حجم الأزمة العالمية في التعليم، واليوم نركز على تحديد ما إذا كان تعليمنا يعاني من أزمة حقيقية. على مدى خمسة وعشرين عاماً، رصدت جهوداً ملحوظة لتحسين التعليم، حيث تم استثمار ميزانيات ضخمة تقدر بأكثر من 3 تريليونات ريال في تنفيذ مشاريع تعليمية متعددة وإصدار قرارات تنظيمية سامية. ومع ذلك، يبرز تراجع التعليم العام مقارنةً بالطموحات المنشودة من القيادة ورؤية 2030، ما يؤكد الحاجة إلى إصلاح جذري وسريع لضمان مستقبل التعليم في المملكة.
مشكلات التعليم وتأثيراتها
تشير التقييمات والاختبارات الدولية، مثل تقارير اليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، إلى أن التعليم في المملكة يواجه تراجعاً لا يتماشى مع معايير الدول المتقدمة. فقد أكدّت الاختبارات الوطنية، وتقارير هيئة تقويم التعليم، على وجود أزمة تعليمية مزمنة تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي والمجتمعي. تعبيراً عن هذا التراجع، تدل نسبة حصول 299 مدرسة فقط على درجة التميّز من بين أكثر من 30,000 مدرسة على التحديات التي تواجه قطاع التعليم، حيث تظل الجودة دون المستوى المطلوب.
أما من حيث جودة التعليم، فإن ضعف مهارات الطلاب في المواد الأساسية يظهر من خلال نتائج الاختبارات الدولية مثل PISA وTIMSS، والتي وضعت المملكة في أسفل قائمة المشاركين. بالإضافة إلى ذلك، تبرز في البيئة التعليمية أزمة ثقة تتسع بين الطالب والأسرة والمعلم، مما يؤثر على القيمة الممنوحة للتعليم ويُظهر ظواهر مثل غياب الطلاب وتسرّبهم من المدارس.
تدل الأرقام على اتساع الفاقد التعليمي، الذي ارتفع من سنتين إلى خمس سنوات بعد جائحة كورونا، مما يشير إلى الحاجة الماسة لإصلاح التعليم. يترتب على هذه الأزمات تأثيرات على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية؛ حيث تسجل الدول ذات التعليم الجيد نمواً اقتصادياً أعلى، في حين يؤدي التعليم ذو الجودة المنخفضة إلى تقليص فرص الابتكار والمساهمة في تطوير القطاعات المختلفة.
لمواجهة هذه التحديات، يلزم وجود رؤية وطنية موحدة تعمل على تحديث السياسات التعليمية، وتفعيل نظام تعليمي شامل، وتطبيق حوكمة فعالة للتعليم. من الضروري معالجة الفجوات الحالية وتطوير آليات قياس تضمن جودة المخرجات التعليمية. كما يتطلب الأمر اعتماد نموذج إصلاحي غير تقليدي يعيد صياغة نظام التعليم بناءً على احتياجات سوق العمل ومتطلبات العصر الحديث.
ختاماً، إن معالجة الأزمة التعليمية تتطلب جهوداً جماعية وتدخلات حازمة، لضمان مستقبل تعليمي يتماشى مع رؤية المملكة 2030 ويمكن الأجيال القادمة من تحقيق طموحاتهم والمساهمة الفعالة في الوطن.

تعليقات