عقوبات آلية الزناد وتأثيرها على العراق
مع اقتراب تطبيق عقوبات “آلية الزناد” على إيران، تواجه العراق تحديًا مركبًا يتجاوز المجال الاقتصادي ليصل إلى عمق السياسة. يعتبر العراق أكبر شريك تجاري لطهران، حيث تتجاوز التبادلات السنوية بين البلدين مليارات الدولارات في مجالات الطاقة والغاز والمواد الغذائية. أي التزام صارم بهذه العقوبات سيؤدي إلى خسائر فادحة وضغوط داخلية خاصة فيما يتعلق بملف الكهرباء والأسواق. ومن ناحية أخرى، فإن خرق هذه العقوبات سيعرض بغداد لصدام مباشر مع المجتمع الدولي، وقد يفتح الطريق أمام ضغوط أمريكية وغربية تؤثر على تحالفاتها وموقعها الإقليمي.
تحديات سياسية واقتصادية
وهكذا، تتحول القضية من معادلة اقتصادية إلى معضلة سياسية شاملة، مع طرح السؤال المحوري: كيف يمكن للعراق أن يوازن بين احتياجاته الإستراتيجية وعلاقاته التاريخية مع إيران، وبين التزامه بالشرعية الدولية ومصالحه مع واشنطن وحلفائها؟ إن هذا السؤال قد يحدد معالم دور العراق في المرحلة المقبلة على الصعيدين الداخلي والإقليمي.
يؤكد الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي أن التفعيل الجديد لعقوبات آلية الزناد يمثل تحولًا جذريًا، حيث يجعله يعود إلى عقوبات ملزمة لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ممّا قد يؤدي إلى مضاعفة الضغوط على الدول التي لم تلتزم سابقًا، مثل الصين وروسيا، مما قد يدفعها لتقليص تعاملاتها التجارية مع إيران، خاصة في قطاع النفط.
ويشير الهاشمي إلى أن التأثير المالي الفوري قد لا يكون كبيرًا، بعد أن أضرت العقوبات السابقة بخدمات الاقتصاد الإيراني، لكنه يدق ناقوس الخطر بشأن استخدام آلية الزناد كأداة سياسية لتشديد الضغوط الدولية على إيران وعزلها أكثر عن العالم.
أما فيما يتعلق بالداخل الإيراني، فيرى الهاشمي أن العقوبات الجديدة لن تُحدث تغييرات جذرية، لكنّها ستجبر طهران على تنفيذ خطط طوارئ تعتمد على سياسات تقشفية وإعادة ضبط الإنفاق العام، بينما تحاول فتح قنوات جديدة مع حلفائها الإقليميين، على الرغم من الظروف الصعبة التي تواجه هؤلاء الحلفاء.
يخلص الهاشمي إلى أن إيران ربما تلجأ لتقديم تنازلات معينة في مجالاتها النووية والصاروخية، لكنها قد لا تكون كافية لتحقيق أي اختراق حقيقي في المفاوضات، كون الشروط الغربية أكثر تشديدًا هذه المرة. مما يضع طهران في موقف يتطلب حسابات دقيقة في ظل خياراتها المحدودة. في سياق هذه التحولات، يبقى العراق الأكثر تأثرًا، باعتباره الحلقة الأضعف في المعادلة السياسية والتجارية للعقوبات الأممية.

تعليقات