لاريجاني في بيروت: إيران تسعى لإعادة التموضع من خلال دعم مبادرة الحوار مع السعودية

وصل رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، إلى بيروت في زيارة تحمل أبعادًا سياسية إقليمية وداخلية حساسة. الزيارة جاءت في ظل التطورات التي يشهدها لبنان بشأن نزع سلاح حزب الله، وكذلك التعقيدات المتزايدة في المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة. في هذه الأجواء المشحونة، يبدو أن طهران تسعى لاستغلال الساحة اللبنانية لتعزيز موقفها الإقليمي، وتحصين حليفها الأساسي حزب الله في مواجهة الضغوط الدولية.

مبادرة قاسم تجاه السعودية

من أبرز ما ناقشه لاريجاني في بيروت هو إشادته بمبادرة نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، الذي دعا مؤخرًا إلى فتح “صفحة جديدة” مع السعودية، متجنبًا الخلافات من أجل مواجهة إسرائيل. لاريجاني وصف هذه الخطوة بأنها “صائبة تمامًا” و”في الاتجاه الصحيح”، مؤكدًا على أهمية الحوار مع السعودية كضرورة في هذه المرحلة الاستثنائية. هذا الموقف يعكس بوضوح تبني إيران للمبادرة، مما يضفي عليها طابعًا رسميًا يتجاوز الدعوة المحلية التي طرحها الحزب.

رفض نزع السلاح واستمرار المعادلة

بالتزامن مع إشادته بمبادرة الحوار، حرص لاريجاني على إرسال رسائل واضحة بشأن ملف السلاح، مؤكدًا أن حزب الله لا يحتاج إلى تسليح من الخارج. من خلال هذا التصريح، جدد التأكيد على المعادلة التقليدية الإيرانية بخصوص عدم المساس بسلاح حزب الله كعنصر أساسي في ميزان القوى الإقليمي. هذا الموقف لاقى ترحيبًا متوقعًا في أوساط المقاومة، لكنه قوبل بنقد حاد من تيارات لبنانية معارضة، ترى أن زيارة لاريجاني تتدخل بشكل مباشر في السيادة اللبنانية الداخلية.

خلفيات إيرانية غير معلنة

حسب معلومات دبلوماسية متقاطعة، فإن مبادرة قاسم لم تكن مفاجئة، بل جاءت نتيجة مشاورات سرية قادتها طهران مع حلفائها. وتكشف هذه المعطيات عن قلق إيراني حقيقي من تراجع نفوذ حزب الله بعد الهزائم الأخيرة في الحرب مع إسرائيل، بالإضافة إلى إدراك طهران بأن الانفتاح على السعودية قد يشكل حماية جديدة للحزب. لذا، يمكن اعتبار زيارة لاريجاني بمثابة بداية لترتيب الأوضاع وتقديم ضمانة إيرانية بأن الحزب ليس في حالة عزلة، بل يحظى بدعم رسمي في سعيه نحو فتح قنوات جديدة مع المملكة.

الموقف اللبناني بين التحديات

لا يمكن فصل هذه الجهود الإيرانية عن التوتر الناجم عن الملف النووي. فقد أكد الرئيس مسعود بزشكيان من نيويورك أن بلاده لن تتراجع عن معاهدة حظر الانتشار النووي، في الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة تسليم جميع المواد النووية المخصبة، وهو نوع من المطالب التي ترفضها طهران. في ظل هذه الظروف المتوترة، تسعى إيران إلى تعزيز أوراقها في المنطقة، وتبقى لبنان ورقة حيوية ضمن سلة المفاوضات. الدعم الذي قدمه لاريجاني لمبادرة حزب الله-السعودية يمكن أن يُفهم كجزء من استراتيجية مزدوجة: حماية نفوذ الحزب داخليًا، وإظهار استعداد طهران للانخراط في ترتيبات إقليمية تؤثر على موقفها في المفاوضات مع الغرب.

لبنان في ظل المبادرات الدولية

رغم أن مبادرة قاسم حصلت على غطاء إيراني رسمي، يبقى مصيرها مرهونًا بالاستجابة السعودية. إذا تعاطت الرياض بإيجابية، قد يفتح ذلك المجال لحوار جديد يعيد ترتيب الخطوط في المنطقة. وإن كان العكس، فقد تستخدم المبادرة كأداة داخلية لتبرير تمسك الحزب بسلاحه وموقعه. في كلا الحالتين، يبدو أن لبنان سيظل عالقًا بين تأثيرات القوى الإقليمية وواقعه الداخلي المليء بالأزمات السياسية والاقتصادية.

باختصار، تعتبر زيارة علي لاريجاني خطوة مدروسة لإعادة ترتيب التوازنات الإيرانية في لحظة إقليمية دقيقة. دعم الحوار مع السعودية يعكس إدراكًا إيرانيًا لأهمية إنشاء قنوات جديدة تمنح حزب الله فرصة للمناورة في وجه ضغوط قوية. وفي ذات الوقت، يكشف ذلك عن مأزق دائم للبنان، الذي يعيش في تقلبات المبادرات الخارجية بينما يفتقر إلى استراتيجية وطنية واضحة. يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن أن يؤدي الحوار مع السعودية إلى حل حقيقي، أم هو مجرد استمرار للعبة التوازنات في المنطقة؟