المملكة تستشرف مستقبل الصحة بخطط مبتكرة

تحول القطاع الصحي في المملكة عبر الرقمنة والذكاء الاصطناعي

يشهد القطاع الصحي في المملكة تحولات جذرية تسهم في إعادة تعريف مفهوم الرعاية الصحية. منذ إعلان رؤية السعودية 2030، أصبح من الواضح أن العناية بالصحة هي إحدى الأساسات التي تعتمد عليها استراتيجية التحول الوطني. لم يكن الهدف مجرد بناء مستشفيات جديدة أو زيادة أعداد الأسرة، بل كان يسعى إلى إنشاء نظام صحي شامل ومبتكر يرتكز على تحسين جودة الحياة للمواطن، ورفع مستوى الرفاهية، حيث أصبح قطاع الصحة جزءًا لا يتجزأ من مكونات هذا التحول الواسع.

إعادة هيكلة واقعية للمنظومة الصحية

بدأت مراحل الإصلاح بإعادة هيكلة القطاع الصحي عبر فصل الأدوار بين الوزارة والمجموعات الصحية المستقلة. الوزارة، الآن، تتولى صياغة السياسات ووضع المعايير وتطوير آليات الرقابة، بينما تركز المجموعات الصحية على تقديم الخدمة بشكل مباشر. هذا التوجه أتاح للمناطق الصحية المزيد من المرونة والقدرة على تحقيق أداء متميز، مع التركيز على تحقيق التفوق في جودة الخدمات المقدمة وتحسين تجربة المريض.

ترافق مع ذلك ارتفاع ملحوظ في معدلات الإنفاق الصحي، حيث اقتربت النسبة من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي ميزانية 2024، تم تخصيص أكثر من 180 مليار ريال للقطاع، مما يعكس الأولوية الكبيرة التي تحظى بها الصحة في أجندة الدولة. هذا التمويل يجري إدارته وفق نماذج استراتيجية تعتمد على جودة الخدمات المقدمة، حرصًا على تحقيق الجدوى والكفاءة في النظام الصحي.

وفي سياق مشابه، كانت خصخصة بعض المستشفيات الحكومية خطوة جريئة نحو تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات الصحية. تهدف هذه الخطوات إلى رفع النسبة المخصصة للقطاع الخاص في الطاقة الاستيعابية الصحية إلى 68% بحلول عام 2030، مع وجود نية لفتح شراكات أكبر مع المستثمرين المحليين والأجانب في مجالات الصحة.

من جهة أخرى، أُدخلت العديد من التقنيات الرقمية لتحسين أداء النظام الصحي وزيادة الوصول إلى الخدمات. التطبيقات الصحية التي انطلقت في السنوات الأخيرة، مثل “صحتي” و”موعد”، استطاعت أن تُحدث ثورة فعلية في تجربة المرضى، مما يساهم في تسهيل الحصول على الخدمات الصحية وزيادة مستوى الرضا لدى المواطنين. بالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق مشروع “المستشفى الافتراضي” الذي يربط بين أكثر من 130 مركزًا صحيًا، مما ساعد في تقليل الحاجة للسفر بين المدن ورفع مستوى التخصص الطبي.

لم يعد بالإمكان تجاهل أهمية العنصر البشري في هذه التحولات، فقد أطلقت المملكة برامج تهدف إلى زيادة عدد الكوادر الصحية الوطنية، مما يسهم في تحقيق الاستدامة وتقليل الاعتماد على القوى العاملة الأجنبية. ومع ذلك، تبقى هناك تحديات تتمثل في الحاجة إلى الكفاءات في مجالات مثل جراحة القلب والتقنيات الطبية.

في الوقت نفسه، لا تزال بعض القضايا الصحية تتطلب اهتمامًا، فقد تسببت الأمراض غير السارية مثل السكري وارتفاع ضغط الدم في تحديات جديدة. الزيادة المتوقعة في نسب كبار السن تستدعي تطوير خدمات رعاية طويلة الأمد لضمان تلبية احتياجات هذه الفئة. وبالرغم من الخطوات الإيجابية التي أُتخذت، يبقى هناك ضرورة ملحة لضمان العدالة في الوصول إلى خدمات الصحة سواء في المناطق الكبرى أو الأطراف.

يرتبط الإصلاح الصحي ارتباطًا وثيقًا بما يحدث في المجتمع بشكل عام. فكلما زاد مستوى الرعاية، زادت الإنتاجية وتقلصت أيام الغياب عن العمل، مما يساهم في رفع مستوى الرفاهية العامة. وفي ضوء هذه التطورات، تؤكد المملكة على أهمية توفير التأمين الصحي الشامل لجميع المواطنين والمقيمين، لضمان تحسين جودة الرعاية الصحية.

إن التحولات في القطاع الصحي السعودي تستقطب اهتمام العالم، مما يبرز قدرة المملكة على تحقيق التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. إن ما يحصل اليوم هو بداية لإعادة رسم ملامح مستقبل صحي مميز يسهم في تحسين نوعية الحياة.