صراع السياسة والاقتصاد في خفض الفائدة
خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وهو إجراء اعتبره كثيرون بأنه “حذر أكثر مما ينبغي”، مما أعاد إشعال الجدل بين الرئيس دونالد ترمب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول. بينما يعتبر ترمب أن هذا الخفض أشبه بجرعة مسكنة صغيرة لاقتصاد يحتاج لعملية جراحية شاملة، يصر باول على أن توقيت الخفض غير مناسب ويخشى من آثار تضخمية.
تناقض السياسات الاقتصادية
ترمب لا يخفي استيائه من النهج المتريث. فقد بنى خطابه الاقتصادي منذ توليه الرئاسة على وعود بتحفيز النمو الاقتصادي وتخفيف أعباء القروض عن الأسر والشركات. في نظره، يعد أي خفض للفائدة أقل من نصف نقطة بمثابة تلاعب بالأرقام دون تأثير حقيقي على معيشة الأمريكيين. يطالب ترمب بتخفيضات أكبر وأسرع، لرفع مستوى الأسواق المالية، وتشجيع الاستثمارات، ومنحه أدوات تنافسية في معاركه السياسية. بالنسبة له، النمو السريع ليس مجرد خيار، بل ضرورة سياسية واقتصادية، وأي تردد من الفيدرالي يُعتبر عقبة أمام “أمريكا العظمى”.
على الجانب الآخر، يتمسك باول بخبرته المستمدة من دروس السبعينيات التي تحذر من أن التضخم، إذا فلت من عقاله، سيكون من الصعب السيطرة عليه. وعلى الرغم من تراجع التضخم عن ذروته، إلا أنه لا يزال يتجاوز 2%، مما يجعله حذراً من اتخاذ خطوات جريئة قد تؤدي إلى تدهور الاستقرار النسبي. وبالتالي، جاء خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة كنوع من الموازنة بين الضغوط من الأسواق والبيت الأبيض، مع الحفاظ على استقلالية الفيدرالي.
بهذا، نرى صراعًا بين فترة زمنية ترتكز على نتائج السياسة المباشرة، التي تراقب مؤشرات الأسهم وتكلفة الاقتراض على المدى القصير، وفترة زمنية اقتصادية تتطلع إلى نمو مستدام بعيد المدى بعيدًا عن التقلبات التضخمية. يقرأ ترمب الأرقام بعين الناخبين، بينما يقرأها باول بعين التاريخ. هذا ليس مجرد صراع شخصي، بل هو صراع حول من يقود دفة الاقتصاد الأمريكي.
الأثر الناتج عن هذه الديناميكية لا يقتصر على الداخل الأمريكي، بل يؤثر أيضًا على الاقتصاد العالمي الذي يراقب عن كثب قرارات الفيدرالي الأمريكي. من الممكن أن تؤدي تخفيضات الفائدة الكبيرة والسريعة إلى تراجع قيمة الدولار وزيادة شهية المستثمرين للاستثمار في الأسواق الناشئة، ومع ذلك قد تعيد التضخم إلى الواجهة وتؤثر في ميزان التجارة العالمية. أما الاستمرار في النهج الحذر، فيعني بقاء تكاليف التمويل مرتفعة، مما قد يزيد الضغوط على ديون الدول النامية ويقلص الاستثمارات العالمية.
في الختام، لم يحسم خفض الفائدة الأخير الجدل بل أبرز عمقه. يرى ترمب أن باول يعرقل النمو ويكبح “الحلم الأمريكي”، في حين يعتبر باول أن ترمب يأخذ المخاطر على حساب الاقتصاد لتحقيق مكاسب سريعة. قد يؤدي الواقع هذا إلى وجود مسار وسطي يعتمد على تخفيضات تدريجية، تحمل في طياتها توازنًا بين تهدئة الأسواق وضبط التضخم، لكن حتى هذا الخيار لن ينهي الجدال، حيث يسعى كل من الطرفين لتأكيد موقفه كقائد الاقتصاد الأمريكي.

تعليقات