العراق يواجه معادلة التصحر: 400 ألف فدان و71% من الأراضي مهددة!

فقدان الأصول الزراعية في العراق

تُعد ظاهرة فقدان الأصول الزراعية في العراق واحدة من أخطر المسائل البيئية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد. لم تعد هذه القضية محصورة بالمزارعين أو بالإنتاج المحلي، بل أصبحت تهديداً مباشراً للتوازن البيئي والصحة العامة والنسيج الاجتماعي. ينص الدستور العراقي على ضرورة حماية البيئة وصيانة الموارد الطبيعية لضمان حقوق الأجيال الحالية والمقبلة، لكن الواقع يعكس تراجعاً ملموساً في هذا الشأن. حيث تشير التقارير الدولية إلى أن العراق يفقد حوالي 400 ألف فدان من الأراضي الزراعية سنوياً نتيجة التصحر ونقص المياه، كما يوضح رصد أممي أن 71% من الأراضي القابلة للزراعة تعاني من تدهور وتصحّر متفاوتين. هذه الأرقام تدق ناقوس الخطر بالنسبة للبيئة العراقية وتجعل مسألة البساتين والأحزمة الخضراء أمراً بالغ الأهمية.

تدهور الأراضي الزراعية

تشير المعطيات إلى أن بساتين النخيل والحمضيات التي تتجاوز أعمارها 100 عام، والتي شكلت على مر السنين أحزمة خضراء حول المدن، تواجه الآن خطر الاندثار. تحدثت النائبة السابقة منار عبد المطلب في تصريحاتها عن اختفاء 20% من هذه الأصول من الخارطة الزراعية بسبب التجريف والحرائق والجفاف. تتوافق هذه الأرقام مع إحصاءات دولية تشير إلى فقدان العراق لما يقارب 140 ألف هكتار من الغطاء الشجري منذ عام 2000، بما في ذلك نصف بساتين النخيل. وفقاً لتقديرات بحثية، فإن استمرار هذا الاتجاه لا يُهدد فقط الإنتاج الزراعي ولكن يزيد أيضًا من شدة العواصف الترابية ويفاقم أزمة المناخ المحلي.

من الناحية القانونية، يُعتبر قرار مجلس الوزراء رقم 320 لسنة 2022 خطوة أساسية في تنظيم تحويل الأراضي الزراعية إلى سكنية. وقد أكدت عبد المطلب على أهمية تخصيص نسبة من الأموال الناتجة عن تنفيذ هذا القرار لإنشاء أحزمة خضراء جديدة. هذا الاقتراح يتماشى مع المناقشات الدستورية التي تتطلب الربط بين السياسات الزراعية والبيئية، لضمان عدم تحول هذه التحويلات إلى مدخل لفقدان الغطاء الأخضر. تشير الدراسات القانونية إلى أن إنشاء صندوق خاص يتطلب تعديلات تشريعية وآليات مالية واضحة لضمان الشفافية والمساءلة في عمليات الصرف.

فيما يتعلق بالعواصف الترابية، فقد أثبتت الدراسات أن هناك 19 منطقة جغرافية هامة في العراق تُعتبر بؤراً لتشكل العواصف الترابية. وقد أظهرت البيانات المناخية أن وتيرة العواصف قد زادت في السنوات الأخيرة، حتى أن بعض الدراسات الدولية تتحدث عن تضاعفها مقارنةً بالسبعينيات. تشير التقديرات المستقلة إلى أن المناطق المتضررة من التجريف قد أسهمت في زيادة معدل العواصف الترابية بنسبة 15–20% في العقد الماضي. ومن منظور بيئي، فإن إنشاء أحزمة خضراء في تلك المناطق يمكن أن يكون استثماراً طويل الأمد لتقليل الغبار وتقليل درجات الحرارة، بالإضافة إلى تحسين جودة الهواء.

يجب إدماج صندوق خاص لتعويض الأحزمة الخضراء ضمن سياسات الدولة بالتعاون مع الجهات المسؤولة، بما في ذلك وزارتي المالية والزراعة وهيئة البيئة. يعتقد الخبراء أن هذا التوجه يمثل اختباراً لقدرة المؤسسات العراقية على الجمع بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة. التجارب في دول المنطقة تشير إلى أن ربط التحويلات المالية بالأراضي الزراعية بمشاريع التشجير ساهم في الحد من التدهور البيئي وتقليل التلوث. تحذيرات عبد المطلب تسلط الضوء على الحاجة إلى مواءمة السياسات المالية مع البيئية، مما يفتح آفاق الشراكات الدولية لتمويل هذه المبادرات.

بناءً على كل ما سبق، فإن مقترحات منار عبد المطلب تعتبر دعوة ملحة للتصدي لأزمة متنامية في البنية الزراعية والبيئية بالعراق. إن الأرقام الدولية حول فقدان 400 ألف فدان سنوياً تؤكد على أن الأبحاث تشير إلى تراجع الغطاء الشجري بأكثر من 140 ألف هكتار، مما يُبرز أهمية وضع سياسات فعّالة تعوّض خسائر الأحزمة الخضراء. إن التحويل الفعلي لهذه المقترحات إلى سياسة وطنية متكاملة يعد تحدياً يحتاج إلى رؤية شاملة تعطي الأولوية لحماية البيئة، إلى جانب الاقتصاد والخدمات، وتعمل على الحفاظ على ما تبقى من الأصول الزراعية.