علمتني الحياة
عندما يكتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لا يقدم فقط كلماته بالحبر، بل بالخبرات والتحولات التي مر بها. تظهر كلماته وكأنها تنبع من تجارب حقيقية، محملة بصدق الممارسة وحرارة الأحداث، مما يجعلها قريبة من القارئ كأنها بوح حي وليس سردًا عابرًا.
تجارب الحياة
في الجزء الأول من كتابه الجديد “علمتني الحياة”، نجد نصًا مميزًا يبتعد عن السرد التقليدي، فإنه ينقل أفكارًا وحكمة تعكس الطموح الإنساني بأسلوب واقعي. سموه لا يروي الأحداث كالحكايات، بل يتحدث كما لو أنه يتواجد بجانب قارئه، مشاطرًا إياه تجاربه ويترك له خلاصة فكره كمنح درب مضيء.
كل فصل يحمل تركيزًا خاصًا، وكل قصة تعبر عن حقيقة معينة، مما يوحي بأن الحياة ليست مقاسة بطول صفحاتها، بل بعمق الدروس المستفادة. القيادة، كما يراها سموه، ليست امتيازًا يُفاخر به القائد، بل هي خدمة ومسؤولية مشتركة. القائد الحقيقي هو من يعيش الواقع بصرامة، ويشارك في كل تفصيل قبل اتخاذ القرار. يبرز لنا أهمية الجرأة في اتخاذ القرارات، وأثر الانتظار في هدر الفرص.
يتجاوز الكتاب مفهوم الإدارة ليغمرنا في منظومة القيم التي شكلت شخصية صاحب السمو. الإيجابية التي تحول الأزمات إلى فرص، والعدل كقاعدة أساسية لمجتمع متماسك، والطموح الذي ينطلق من فكرة بسيطة ليصل إلى آفاق بعيدة، كلها قيم عاشها سموه ويطمح أن تكون نبراسًا للجميع.
نجد في النص شخصية إنسانية عميقة، من طفولة بسيطة في أحضان الصحراء، إلى حب الفروسية الذي يعكس النبل، إلى حاكم يعيش تفاصيل الشعب. هذه اللمحات تجعل النص يبدو حقيقيًا، كأن القارئ أمام قصة إنسان عادي بدلاً من سيرة قائد بارز.
الرسالة الأساسية المتوجهة إلى الشباب حاضرة بوضوح، حيث تنتهي كل فصل بنصيحة تحث على العمل والتفاؤل، ليدرك الجيل الجديد أن المستقبل يحتاج إلى جهد وإصرار. الإمارات التي يرونها اليوم هي نتاج همم الرجال الذين حملوا أحلامًا وإرادات قوية نحو التميز.
بهذا، “علمتني الحياة” ليست مجرد كلمات، بل خلاصة تجربة ورؤية يعيشها الكاتب ويرغب في مشاركتها مع أولئك الذين يؤمنون بأن الحياة هي المعلم الأكبر. الكتاب يحفز القارئ على إعادة التفكير في واقعه وفي علاقته بالحياة والعمل، ويمنح الإيجابية التي تدفع إلى الأمام.
إنه عمل يتجاوز كونه نصًا يُقرأ، ليكون طاقة محفزة تدعو إلى أن تتحول التجارب الشخصية إلى زادٍ للجميع. وعندما يكمل القارئ آخر صفحة، يدرك أن الرسالة قد وصلت، وأن الحياة أكبر من مجرد نجاح أو فشل، لأنها تصبح دروسًا تضيء الطريق نحو المزيد من الثقة والإصرار.
هذا هو ما أراد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن ينقله، وهذا هو الإرث الذي يظل محفورًا في أذهان قراء الكتاب؛ أن الحياة علمت سموه، وهو من خلال كتابته يسعى لضمان أن تبقى هذه التجربة نبعًا للأجيال القادمة، تعلمهم كيف يعيشون ويواجهون الحياة.
تعليقات