رابط بين صحة الفم وسرطان البنكرياس
في خطوة قد تعيد تشكيل فهمنا لأحد أكثر أنواع السرطان فتكًا، أظهرت دراسة شاملة أجراها علماء من كلية الطب في جامعة نيويورك وجود علاقات مدهشة بين صحة الفم والميكروبيوم الفموي وخطر الإصابة بسرطان البنكرياس، المعروف بـ«القاتل الصامت»، نظرًا لعدم ظهور أعراض واضحة في غالب الأحيان، مما يؤدي إلى تشخيص المرض في مراحل متأخرة حيث تكون فرص النجاة قليلة.
العلاقة بين الجراثيم وسرطان البنكرياس
نُشرت الدراسة في مجلة JAMA Oncology، وتعتبر الأكبر من نوعها، حيث شملت تحليلاً جينياً لعينات من اللعاب لأكثر من 122 ألف شخص يتمتعون بصحة جيدة، بالإضافة إلى دراسة عوامل نمط الحياة مثل التدخين والتاريخ الطبي للأفراد، بما في ذلك الالتهابات المزمنة في اللثة. ووجد الباحثون أن 27 نوعًا من البكتيريا والفطريات في الفم مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بسرطان البنكرياس بنسبة تصل إلى 3.5 ضعف، مما يدل على إمكانية انتقال هذه الكائنات الدقيقة عبر اللعاب إلى البنكرياس، مما يسهم في تطور الورم.
سرطان البنكرياس يعتبر رابع أكبر مسببات الوفيات الناتجة عن السرطان على مستوى العالم، حيث تتجاوز حالات الوفاة 500 ألف حالة سنويًا وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. وفي الولايات المتحدة، يتم تشخيص حوالي 64 ألف حالة جديدة سنويًا، بمعدل بقاء لا يتجاوز 12% خلال خمس سنوات، مقارنةً بمعدل 90% في حالات سرطان الثدي.
تعود صعوبة الكشف المبكر عن هذا النوع من السرطان إلى الأعراض التي تظهر في مراحل متأخرة، مثل آلام البطن وفقدان الوزن، حيث لا توجد اختبارات روتينية فعالة مثل تلك المستخدمة في سرطان القولون. وقد ركزت الدراسات السابقة على عوامل الخطر التقليدية مثل التدخين والسمنة والسكري من النوع الثاني، ولكن هذه الدراسة الجديدة، التي شارك فيها خبراء من معهد السرطان الوطني وكلية ألبرت أينشتاين للطب، تسلط الضوء على دور الميكروبيوم الفموي.
وفقًا للدكتور ريتشارد هايس، أحد مؤلفي الدراسة وخبراء الصحة السكانية، فقد أصبح واضحًا أن العناية بالأسنان وتنظيف الفم لا يحميان فقط من أمراض اللثة، وإنما قد يساهمان أيضًا في تقليل خطر الإصابة بالسرطان. وقد استخدم فريق البحث بيانات من عدة دراسات طولية كبيرة، وتوصلوا إلى أن البكتيريا المرتبطة بالتهاب اللثة المزمن تزيد من خطر الإصابة بشكل ملحوظ، خاصةً عند الجمع مع عوامل نمط الحياة مثل التدخين والسكرى.
تعتبر نتائج هذه الدراسة مراحل جديدة في فهم العلاقة بين صحة الفم وسرطان البنكرياس، حيث أدت إلى تطوير أداة تقييمية للتنبؤ بالخطورة تعتمد على تركيب الميكروبيوم الفموي، الأمر الذي قد يساعد الأطباء في تحديد المرضى الأكثر عرضة للخطر، وتوجيههم نحو فحوصات مبكرة. يعكس هذا الاكتشاف أهمية تعزيز العناية بنظافة الفم كجزء من البرامج الصحية العامة. على الرغم من ذلك، يؤكد الباحثون على أهمية إجراء مزيد من التجارب السريرية لإثبات النتائج، حيث قد تكون هذه الدراجة خطوة نحو إنقاذ العديد من الأرواح، وتحويل «القاتل الصامت» إلى هدف يمكن التعامل معه بشكل مبكر.

تعليقات