تباين الآراء في العالم العربي: الإعلام وتأثيره على المزاج العام

تتضح بجلاء من خلال كتابات د. عبدالله حسين العزام أن الرأي العام العربي اليوم يعاني من حالة تشتت غير مسبوقة، مدفوعةً بماكنات إعلامية محلية وإقليمية ودولية تهدف إلى إعادة تشكيل المزاج العام بما يتماشى مع مصالح قوى معينة. إن هذا التلاعب المنهجي لا يقتصر فقط على توجيه المواقف تجاه القضايا السياسية والاقتصادية، بل يتجاوز ذلك ليشمل أنظمة التربية والأخلاق، مما يؤدي إلى إعادة صياغة القيم التي يفترض أن تشكل الأساس المتين للمجتمع العربي.

الإعلام بجميع أشكاله يمتلك قدرات متزايدة على التأثير، وقد غيّر مجرى العملية التربوية، حيث لم تعد المدرسة أو الأسرة هي المصدر الوحيد للقيم، بل أصبح الإعلام هو الأكثر تأثيراً على تشكيل وعي الأجيال الجديدة، مما أدى إلى إضعاف الثوابت الأخلاقية وغرس نماذج مشوهة في عقول الشباب. يظهر هذا التأثير بشكل واضح في السلوك العام، مما يهدد الانسجام الاجتماعي.

القيم المشتركة التي تجمع العرب، مثل التضامن والعدالة واحترام الآخر، باتت مهددة أمام سيطرة موجات إعلامية تعزز الفردانية والاستهلاك. وبالتزامن مع تراجع هذه القيم، يشهد الرابط الاجتماعي تآكلاً يُعد أساس أي مشروع نهضوي عربي، مما يُحول الأمة إلى فسيفساء متناحرة سهلة التلاعب بها.

الأكثر خطورة هو أن هذا التشتت الفكري والإعلامي ينعكس سلباً على الأمن القومي العربي، فمجتمعات تفتقر إلى وعي جماعي ومنظومة قيمية متينة تُصبح عرضة للاختراقات السياسية والثقافية، مما يجعل العالم العربي فريسة سهلة للقوى الخارجية. التاريخ يشير بوضوح إلى أن الانقسامات الداخلية تسبق دائماً الانهيارات السياسية والتراجع الحضاري.

كانت الأندلس مثالاً حيّاً حيث أدت الخلافات بين ملوك الطوائف إلى سقوط إسبانيا في أيدي الغزاة. وفي العصر الحديث، ساهم الانقسام العربي خلال غزو العراق في تسهيل التدخل الأمريكي، كما أوضح النزاع السوري كيف أن العقم السياسي وسوء إدارة التطلعات الشعبية أديّا إلى إطالة أمد الصراع.

لا يمكن إغفال دور احتلال فلسطين، حيث استغل المشروع الصهيوني الانقسام العربي وضعف الموقف الموحد بين الحكومات. لقد كان الإعلام في كثير من الأحيان عاملاً يعيد إنتاج الانقسام بدلًا من تعزيز وحدة الصف خلف الحقوق العربية.

تجليات تشرذم الرأي العام العربي وتلاعب الإعلام بالمزاج الجمعي

إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب إنشاء مشروع إعلامي عربي بديل يركز على ترسيخ الوعي النقدي وحماية المنظومة التربوية والقيمية، مما قد يعيد الاعتبار لفكرة المصلحة العربية المشتركة. وفي غياب ذلك، سيظل الرأي العام العربي عرضة للتلاعب والانقسام، وهو ما يمثل تهديدًا كبيرًا للأمن القومي العربي ومستقبل الأجيال القادمة. إن التاريخ، منذ الأندلس وحتى فلسطين والعراق وسوريا، يثبت أن الانقسامات تؤدي دائمًا إلى الخراب والانكسار، وأن تماسك الرأي العام يُعد السلاح الأهم لمواجهة التحديات الوجودية.

تشخيص وضع الرأي العام العربي أمام التحديات الإعلامية

تبرز الحاجة الماسة إلى الإعلام كوسيلة فعّالة لتعزيز التضامن العربي ودعم القضايا الوطنية. إن التغلب على التشرذم الراهن يتطلب استراتيجيات مبتكرة وموارد كافية لإنتاج محتوى إعلامي يعزّز من الوعي الجمعي ويعكس تطلعات الشعوب نحو العدالة والحرية. إن المضي قدمًا في هذا الاتجاه يعد محورًا أساسيًا لبناء مستقبل آمن ومستقر.