فرصة اقتصادية لتعزيز الاستقلالية في ظل التحولات التجارية العالمية
في تقرير حديث بعنوان “الاستقلالية الاستراتيجية في التجارة” صادر عن شركة “كي بي إم جي – الشرق الأوسط”، يُسلط الضوء على دخول الاقتصاد العالمي مرحلة جديدة تتسم بالتفكك المتزايد نتيجة لارتفاع حدة الحروب التجارية، والتغيرات في التحالفات، وازدياد الاضطرابات في سلاسل الإمداد. في هذا الإطار، تُعتبر الفرصة سانحة لدول الخليج لتعزيز مرونتها الاقتصادية وتقليل التعرض للأزمات الاقتصادية الخارجية، مما يتيح لها دوراً فاعلاً في تشكيل المشهد التجاري العالمي.
استراتيجية تعزز القدرة التنافسية
التقرير يبرز أن الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي قد استفادت من نموذج التجارة المفتوحة، الذي يتميز بإجراءات جمركية منخفضة، مما أتاح لها الاندماج في الأسواق العالمية والوصول إلى موارد اقتصادية وتجارية متنوعة. على سبيل المثال، أسهم هذا النموذج في تأمين السعودية للمواد الخام والآلات الضرورية لقطاعها الصناعي، وفي الوقت نفسه، عزز من مكانة دولة الإمارات كمركز عالمي ريادي في الخدمات اللوجيستية. هذا الانفتاح ساهم في تحقيق ازدهار اقتصادي ملحوظ، لكنه رغم ذلك أظهر تحديات هيكلية تتعلق بالاعتماد على الواردات في الصناعات المتقدمة.
على الجانب الآخر، تشير التوقعات إلى أن حجم التجارة الخارجية للدول الخليجية سيصل إلى 1.5 تريليون دولار في عام 2024، مع انخفاض في نموها يقدّر بنحو 4 في المائة، مما يوضح الارتباط الوثيق بين المنطقة والأزمات الاقتصادية العالمية. وعلى الرغم من وجود ست دول تحت مظلة مجلس التعاون، إلا أن هناك تنوعاً واضحاً في استراتيجياتها التجارية والصناعية. فالسعودية، من خلال رؤية 2030، تركز على توطين الصناعة وبناء سلاسل إمداد محلية في عدة قطاعات، بينما تواصل الإمارات جهودها لتكون مركزاً لإعادة التصدير من خلال تحسين الإجراءات الجمركية وإقامة اتفاقيات تجارية ثنائية.
التقرير يسلط الضوء على الأهمية الاستراتيجية لكل من النهجين، لكن غياب التنسيق المشترك بين هذه الدول قد يضعف قوتها التفاوضية ككتلة على النطاق العالمي. كما أشار عمر الحلبي، الشريك ورئيس الاستشارات الاقتصادية والسياسات العامة في “كي بي إم جي – الشرق الأوسط”، إلى أن تحقيق الاستقلالية الاستراتيجية يتطلب تحويل انفتاح المنطقة إلى قوة مستدامة، من خلال تنسيق الاستثمارات وتوحيد الحوافز لتقديم عرض اقتصادي متماسك.
ووفقا للتقرير، فإن السياسات التي تتبعها الدول الخليجية تؤثر بشكل مباشر على المواطنين وقطاعات الأعمال، حيث تسهم سلاسل الإمداد القوية في تقليل تقلبات الأسعار وتحسين توافر السلع. بالإضافة إلى ذلك، يُعزز توطين الصناعات من فرص العمل المتميزة التي تتطلب مهارات متقدمة. وعند النظر على نطاق أوسع، يمكن أن يساهم التنسيق في استراتيجيات التجارة والصناعة في تعزيز الاستقرار الاقتصادي للمنطقة ويجعل منها لاعباً مؤثراً ضمن النظام التجاري العالمي.
في الختام، ينبه التقرير إلى أن السنوات القليلة القادمة ستكون حرجة في حال تبنّت الدول الأعضاء نهجاً موحداً وطموحاً، مما يمكّنها من الانتقال من مجرد مستهلك للتوجهات التجارية العالمية إلى كيان فاعل ومؤثر في صياغتها، متجاوزةً مجرد تلقي الأسعار لتصبح صانعة لها في النظام التجاري الدولي المتغير.
تعليقات