الدور الوسيط للعراق في المنطقة
القمة الطارئة التي انعقدت مؤخرًا في بغداد بحضور العديد من القادة العرب والإسلاميين، أشارت بوضوح إلى الحاجة الملحة لوساطة موثوقة في المنطقة. في الوقت الذي يواجه فيه العراق تحديات ضخمة، يتمثل أحد هذه التحديات في محاولته تقديم نفسه كأرض محايدة. إن مقارنة هذه القمة مع القمة السابقة التي اقتصرت على وزراء ومبعوثين تكشف أن العراق لا يزال يعاني من أزمة ثقة تؤثر على استعادة مكانته الدبلوماسية. هذه الأزمة ترتبط بملفات داخلية غيرresolved مثل وجود قوى مسلحة متعددة ووضع مالي غير مستقر، بالإضافة إلى عدم وجود سياسة خارجية متماسكة في ظل الظروف السياسية المتقلبة.
المكانة الدبلوماسية للعراق
تقف الدبلوماسية العراقية أمام معضلة تتعلق بتطبيق النصوص الدستورية التي تؤكد على حصر السلاح بيد الدولة، بينما الواقع يعكس تعددية في مصادر القوة التي تسيء إلى صورة العراق على الساحة الدولية. وفقاً لما ذكره الدبلوماسي العراقي السابق غازي فيصل، تواجه الدبلوماسية العراقية تحديات إقليمية ودولية بفعل عجز الحكومة عن تنفيذ الشروط الدولية، مما يؤثر سلبًا على دور الوساطة. هذا الأمر يُظهر أن أي ضعف داخلي ينعكس بشكل فوري على القوة الخارجية للعراق، وأن نجاح الوساطة يعتمد على قدرة بغداد على إحكام السيطرة على الأوضاع داخل حدودها.
فيما يتعلق بالمتطلبات الأساسية لأي وسيط ناجح، يقول فيصل إنه ينبغي أولاً أن يكون السلاح بيد الدولة، ثانياً، ضرورة الالتزام بالمعايير المالية والمصرفية، وثالثاً، القدرة على التحكم في الفصائل المسلحة لمنعها من استهداف أطراف أجنبية. إن هذه الشروط الثلاثة تشكل جوهر الثقة المطلوبة من الشركاء الدوليين. ومع ذلك، لا تزال الإجراءات التي اتخذتها بغداد في السنوات الأخيرة تشير إلى وجود مشكلات قائمة، مثل القيود على بعض البنوك في التعامل بالدولار تحت الضغوط الأمريكية، مما يوضح أن العراق ما زال يسير في طريق يحتاج إلى مزيد من الجهود لتحقيق الاستقرار.
كما أشار فيصل إلى أهمية السيطرة الأمنية المستمرة، مشدداً على ضرورة عدم وقوع هجمات من الفصائل المسلحة وعدم تكرار الهجمات على القوات الأمريكية كما حدث في السنوات الأخيرة. هذا الشرط يوضح أن مفهوم “الأرض المحايدة” يحتاج إلى استقرار فعلي، حيث إن أي خرق أمني يسبب ضعف الثقة لدى الأطراف الدولية. من جهة أخرى، يطرح الخبير السياسي علي ناصر نظرة إضافية حول العلاقة بين الوضع الداخلي والتقلبات في السياسة الخارجية. يوضح أن النظام السياسي في العراق يختلف بطبيعته عن بقية دول المنطقة، حيث إن تشكيل الحكومة يعتمد على توازنات برلمانية تتغير بعد كل انتخابات، مما يعكس عدم الاستقرار في السياسة الداخلية.
الاستثمار في الدبلوماسية يبدو الخيار الأكثر واقعية للعراق، خصوصاً في ظل التحديات العسكرية والتكنولوجية. الحياد الذكي، كما يراه ناصر، لا يعني الانكفاء عن الصراعات، بل يتطلب استغلال الموقع الجغرافي للعراق كجسر للتواصل بين الخصوم، إذا ما أُدير بطرق دبلوماسية محترفة. تاريخ العراق خلال السنوات الماضية يُظهر تنقلات بين الحرب والانكفاء الداخلي، ورغم جهود الحكومة بعد 2019 للتوجه نحو سياسة التوازن، لا يزال هذا المسعى بحاجة إلى مزيد من التطوير. وبالتالي، فإن الدور المستقبلي للعراق يتوقف على قدرته على معالجة مشكلاته الداخلية لبناء صورة أكثر ثباتًا وموثوقية على الساحة الدولية.
تعليقات