سبحات القصيم: تراث يتلألأ بين الأصالة والتذوق والفرص الاستثمارية

السبحة: رمز ثقافي وإبداعي يتجاوز الزمن

تعتبر “السبحة” جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان على مر العصور، عابرةً حدود استخدامها كأداة للتعداد والذكر، لتتحول إلى رمز ثقافي وزينة تتمتع بقيمة روحية وجمالية. فمن الغازلت والحصى في صدر الإسلام، إلى استخدام الأخشاب والعاج والأحجار الكريمة في الزمن الحاضر، ظلت السبحة تجسد تاريخًا طويلًا من الحرفية والابتكار.

المسابح: تحف فنية تجمع بين الذوق والانتماء

في أسواق منطقة القصيم، تنبض حبات السبح بألوانها وأشكالها الفريدة، مكونةً لوحة تراثية تأسر عشاق اقتناء الجمال وتُعتبر هدية مميزة تعكس الذوق والهوية. يتراوح عدد حبات كل سبحة بين 33 و99 حبّة، ويشمل تصميمها “الشاهد” و”الثُّدنة” مع المئذنة الأسطوانية والشرابة، مما يمنحها هوية خاصة تجمع بين الجمال والروحانية.

تتفاوت خامات السبح المستخدمة بين العقيق والكهرمان واليسر والعاج، بالإضافة إلى أخشاب مثل وردة، إلى جانب خامات صناعية نادرة مثل الباكلايت والفاتوران، مما يميز كل سبحة ببصمتها الخاصة في اللون والملمس والقيمة. يجيد الحرفيون في القصيم مهارات نحت الحبات وصياغة الفواصل وزخارفها الجميلة، لتظهر المسابح كقطع فنية تتخطى فكرة العد، وتتحول إلى استثمار وقطع متميزة.

يشارك الحرفي صالح المجحدي، الذي يعمل في هذا المجال منذ أكثر من تسع سنوات، بأن صناعة السبح هي “شغف وهواية وفن”. ويشير إلى أن الباكلايت القديم، الذي توقف إنتاجه منذ الثمانينيات، يعتبر من الأنواع النادرة والأكثر طلبًا. كما يرى أن المناسبات الدينية مثل الحج والعمرة والأعياد تُعزز الطلب على المسابح كهدايا أو تذكارات شخصية، حيث يُفضل الكثيرون تخصيص سبحات فريدة للعُرسان والضيوف.

من جانبه يصف الحرفي عمر الحربي عالم السبح بأنه “أوسع مما يتصور الكثيرون”، موضحًا أن الكهرمان يُعرف بـ”ذهب الرجال” لندرته وقيمته المرتفعة التي تُقاس بالغرام عالميًا. ويقول إن الفاتوران يحتفظ بسحر خاص يتغير لونه مع مرور الوقت، ما يجعل قيمة السبح تتزايد كلما نَدُرت خاماتها، مما يحوّلها إلى أصول استثمارية تُنقل عبر الأجيال.

يؤكد أصحاب المحلات أن أسعار السبح تتفاوت بشكل كبير، حيث تتوفر مسابح بسيطة بأسعار معقولة، بينما تصل أسعار أخرى إلى آلاف الريالات، خاصةً المصنوعة من الكهرمان الطبيعي أو العقيق اليماني النادر.

في الوقت الحالي، تشهد منطقة القصيم نشاطًا ملحوظًا لدعم هذه الحرفة من خلال المعارض والأسواق الموسمية وبرامج التمكين، وذلك في إطار عام الحرف اليدوية، في خطوة تهدف إلى إبراز الحرف المحلية وتعزيز استدامتها الاقتصادية والثقافية.

تظل “السبحة”، رغم بساطتها، رمزًا حيًا لتراث عريق يتجدد مع الزمن، جامعًا بين الذكر والجمال والهوية الثقافية المميزة للمجتمع السعودي.