الفا بيتا: السعودية تبدأ فصلًا جديدًا في التحول الصناعي نحو نمو مستدام

الصناعة السعودية وخطة التحول الاقتصادي

تواصل المملكة العربية السعودية جهودها الحثيثة نحو بناء اقتصاد متنوع ومستدام، وبالأخص في القطاع الصناعي الذي يمثل اليوم حجر الزاوية لرؤية السعودية 2030. في شهر مايو 2025، أظهرت بيانات الهيئة العامة للإحصاء زيادة في مؤشر الإنتاج الصناعي بنسبة 1.5% مقارنة بالعام السابق، مدفوعةً بنمو أنشطة التعدين والصناعة التحويلية والمرافق، مما يعكس استمرار الاتجاه الإيجابي الذي بدأ في الربع الأخير من العام الفائت. وعلى الرغم من أن رقم النمو قد يبدو متواضعًا وفق المعايير التقليدية، إلا أنه يمثل تطورًا إيجابيًا ضمن السياق الاقتصادي الأوسع، حيث تواصل المملكة جهودها لتقليل الاعتماد على النفط وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي.

التحول الاقتصادي بالمملكة

الجدير بالذكر أن هذا المؤشر جاء في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي تحديات متزايدة، تشمل تذبذب سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف التمويل وتقلبات أسواق الطاقة. ومع ذلك، تمكنت الصناعة السعودية من المحافظة على نمو إيجابي، حيث سجلت أنشطة التعدين زيادة بنسبة 2.1% بينما ارتفعت الأنشطة التحويلية بنسبة 0.9% وقطاع الكهرباء والغاز والماء بنسبة 15.5%. هذه التطورات تعكس فاعلية السياسات الصناعية والتمويلية التي تم تنفيذها في السنوات الأخيرة.

لا يمكن فصلهذا التحول عن الإصلاحات الهيكلية التي تقودها الدولة في إطار رؤية 2030، التي وضعت القطاع الصناعي كأحد أولوياتها من خلال مبادرات مثل “صُنع في السعودية” وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية. يعتبر هذا التحول من أبرز العلامات على تراجع تأثير أسعار النفط، حيث أصبحت الصناعة تعتمد بشكل كبير على الطلب المحلي والإقليمي وقدرتها على جذب استثمارات نوعية وتعزيز المحتوى المحلي.

بدأت المؤسسات المالية الدولية أيضًا في إيلاء اهتمام للتغيرات الجارية في الاقتصاد السعودي. أشار صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير إلى أن المملكة تحقق تقدمًا ملحوظًا في تقليص الاعتماد على الإيرادات النفطية من خلال تعزيز مساهمة النشاطات غير النفطية، وعلى رأسها القطاع الصناعي. كما سجلت تقارير حديثة من بلومبرج وستاندرد آند بورز المملكة ضمن الاقتصادات القادرة على إجراء تحول اقتصادي حقيقي مدعوم باستراتيجية طويلة الأجل واستثمارات مدروسة.

تظل التحديات قائمة، وبالأخص في مجال البنية التحتية للطاقات، إذ سجل قطاع الكهرباء والغاز تراجعًا في بعض الفترات بنسبة 7.7%. هذا الأمر يستدعي معالجة سريعة لضمان استمرارية النمو الصناعي. من هذا المنطلق، تقوم وزارة الطاقة بتسريع تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، مع زيادة القدرة الإنتاجية المستهدفة إلى 120 غيغاواط بحلول عام 2030، لتعزيز موثوقية الشبكات ومواكبة الطلب الصناعي المتزايد.

مع ذلك، يبقى المسار العام إيجابيًا، حيث تشير تقارير مثل “أكسفورد إيكونوميكس” إلى أن الناتج الصناعي في المملكة مرشح لتحقيق متوسط نمو سنوي يتراوح بين 4% إلى 5% حتى عام 2027، طالما استمرت وتيرة الاستثمارات الحالية والمبادرات الحكومية في التوسع. عودة التدفقات الاستثمارية إلى المجالات مثل المعدات الصناعية والتقنيات المتقدمة تعكس ثقة السوق المحلي والدولي في قدرة الاقتصاد السعودي على التحول من الاعتماد على الريع إلى الإنتاج.

إن تحليل مؤشر الإنتاج الصناعي في هذه المرحلة لا يقتصر فقط على كونه رقمًا إحصائيًا، بل يجب أن ينظر إليه كدليل على تقدم المملكة نحو تنفيذ رؤيتها الاقتصادية وبناء نموذج جديد للتنمية يعتمد على الاستدامة والكفاءة. لم تعد الصناعة السعودية تتبع تحركات أسواق النفط، بل بدأت في كتابة فصل جديد في تاريخ الاقتصاد الوطني يعتمد على الإنتاج والشراكات النوعية.