الشرق الأوسط: تصاعد التوترات يُدخل ليبيا في نفق المجهول

الأزمة الليبية وتأثيرها على المشهد السياسي

تفتح الأزمة الليبية آفاقاً جديدة لمستقبل غير محدد، مما يعكس التوترات السياسية والعسكرية بين الفصائل المتعارضة في البلاد التي تعاني من الفوضى منذ 14 عاماً. تتنافس سلطتان متصارعتان، إحداهما في الشرق بقيادة المشير خليفة حفتر والأخرى في الغرب تحت سلطة حكومة عبد الحميد الدبيبة، وسط صراعات متشابكة وطموحات إقليمية ودولية. يمتد الصراع من طرابلس إلى بنغازي، مع وجود رغبات متباينة للسيطرة والنفوذ، مما يزيد من تعقيد المشهد في غرب ليبيا. على الجانب الآخر، يمضي حفتر مدعوماً بمجلس النواب نحو تحقيق طموحاته في السيطرة على البلاد، بعد أن أحكم قبضته على ثلثي ليبيا.

تعقيدات المشهد السياسي

التحولات في طرابلس تُظهر تركيز الحكومة على شن حملة عسكرية ضد الميليشيات المتنافسة، لكن ذلك قوبل بشكوك حول النوايا الحقيقية وراء تعزيز القوات، خاصة بعد تصفية أحد حلفائه القدامى. حالياً، تبدو العاصمة منشغلة بتعزيز الحشود العسكرية في مواجهة ميليشيات أخرى، مع احتمالية دخول البلاد في جولة جديدة من الاقتتال. وفي سياق آخر، حاول الدبيبة صاحب العلاقات المعقدة مع الميليشيات تنفيذ مبادرة تتضمن توسيع الحكومة وتنظيم استفتاء وطني، ولكن يبدو أن هذه المحاولات لم تلقَ تجاوبًا من الأطراف السياسية الباحثة عن إزاحته. على مستوى المجلس الرئاسي، يبدو أن التعليمات المحدودة والرغبة الشعبية بإقالة الحكومة تشكل ضغوطًا تجعل من استمراره في السلطة أمرًا مشكوكًا فيه.

في شرق البلاد، يبقى البرلمان نشطاً في محاولة تشكيل حكومة جديدة رغم المعارضة المعلنة لحكومة الدبيبة. وتظل الخلافات بين الأطراف السياسية الرئيسية تعرقل أي جهد لتقريب وجهات النظر. على الصعيد العسكري، يتابع حفتر ما يجري في العاصمة بترقب، مع إمكانية اتخاذه مواقف هجومية جديدة، مما يثير القلق لدى البعض من عودة الاشتباكات. في ظل هذه الديناميكيات، تستمر التحركات الأممية بقيادة مبعوثة الأمم المتحدة في محاولة لاحتواء الأزمات وتقديم مقترحات جديدة، رغم تزايد الشكوك في قدرتها على تحقيق استقرار حقيقي. وفي الختام، يتضح أن السيطرة على طرابلس تظل الهدف المركزي للأطراف المتنافسة، بينما لا زالت الأزمة الليبية في حالة من التدهور المستمر.

منذ انطلاق الثورة في فبراير 2011، عانت ليبيا من عدم استقرار سياسي وأمني مطبق، حيث تعاقبت عليها حكومات متتالية لم تستطع نقل البلاد إلى مرحلة الاستقرار. على مدى السنوات الـ 14 الماضية توالت على ليبيا ثماني حكومات، ثلاث منها لم تعترف بها المؤسسات الدولية. ومع كل تغيير حكومي، لم تزد الأوضاع إلا تفاقماً، حيث يفتقر البلد إلى قيادة قوية قادرة على توحيد الصفوف في ظل الفوضى والاقتتال.