أحداث مثيرة في ليبيا: نظرة على التطورات الجارية

وسط مخاوف متزايدة من اندلاع حرب أهلية جديدة في ليبيا، أعادت الاشتباكات العنيفة في طرابلس التركيز على الفوضى الأمنية والانقسامات السياسية، بعد فترة من الاستقرار النسبي الذي أعقب اتفاق جنيف في 2021. شهدت العاصمة مواجهات بين قوات “اللواء 444 قتال” المنتمية لحكومة الوحدة الوطنية وقوات “جهاز الردع” بقيادة عبد الرؤوف كارة، التي ترتبط شكلياً بالمجلس الرئاسي منذ 2018. أسفرت هذه المناوشات عن سقوط قتلى وأضرار مادية كبيرة، وذلك كرد فعل على قرارات حكومة الوحدة، المعترف بها دولياً، لإعادة هيكلة بعض الأجهزة الأمنية والإطاحة بقادتها.

الاشتباكات في طرابلس ومخاطر العودة إلى الفوضى

تفاقأت الوضع بعد مقتل القائد الميداني عبد الغني الككلي في اجتماع رسمي داخل مقر “اللواء 444″، مما سمح لحكومة الوحدة بلسيطرة على مقراته الأمنية. يُنظر إلى هذه الخطوات على أنها محاولة من رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة لتعزيز نفوذه في المنطقة الغربية بالكامل. وفي خطوة سريعة، أصدر الدبيبة قراراً بحل “الأجهزة الأمنية الموازية”، مؤكداً أن أي مخالفة ستُواجه بقوة، خلال اجتماع أمني عالي المستوى حضره مسؤولون مثل وزير الداخلية عماد مصطفى الطرابلسي ووكيل وزارة الدفاع عبد السلام الزوبي. هذه الإجراءات جزء من خطة لإعادة هيكلة المشهد الأمني، مع الاستعانة بخطة أمريكية قدمت في فبراير الماضي، تهدف إلى تشكيل قوة عسكرية موحدة لمكافحة الإرهاب والهجرة تحت مظلة حكومة الوحدة.

ومع ذلك، رفض رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي هذه الإجراءات، معتبراً حكومة الوحدة غير شرعية ومجمداً قراراتها، مما أبرز العمق المتزايد للصراعات السياسية. في السياق نفسه، نفت الحكومة التقارير عن استقالات داخل صفوفها، بينما استمرت الضغوط الدولية في دفع عملية إعادة توزيع النفوذ الأمني استعداداً للانتخابات المقبلة. هذا التصعيد يعكس مخاوف “قوات الردع” من فقدان شرعيتها ومواقعها، خاصة مع تهديدات محاكمات دولية بسبب اتهامات بانتهاكات إنسانية، كما في حالة طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تسليم آمر جهاز الشرطة القضائية أسامة نجيم.

أسباب الصراعات وتأثيرها على الوضع السياسي

يعود السبب الرئيسي لهذا التصعيد إلى محاولة حكومة الدبيبة إعادة ترتيب النفوذ الأمني في طرابلس لصالحها، تحت ضغط دولي لدعم قوة نظامية موحدة في غرب ليبيا. في المقابل، تخشى المجموعات المسلحة مثل “جهاز الردع” من فقدان ما كسبته منذ سنوات الثورة، مما قد يؤدي إلى تعرضها لمحاكمات دولية. يبرز هذا الوضع هشاشة الواقع الأمني في طرابلس، حيث يظل رهينة للمجموعات المسلحة ولغياب دولة المؤسسات. كما أن هذه التطورات تعميق الجمود السياسي وتعيق جهود الأمم المتحدة لاستئناف العملية الانتخابية المتوقفة.

بالإضافة إلى ذلك، أدت المواجهات الأخيرة إلى تفاقم مخاوف الشارع الليبي من عودة شبح الحرب الأهلية، خاصة مع زيادة الانقسام بين الشرق والغرب. هذا الوضع يهدد بانهيار الجهود السلمية لإيجاد حل سياسي، ويعرض البلاد لخطر الفوضى مرة أخرى. في جوهر الأمر، تكشف هذه الأحداث عن مدى تعقيد الأزمة الليبية، حيث يتصارع الطموحات السياسية مع مخاوف الأمن الوطني، مما يجعل الاستقرار الشامل أمراً صعباً التحقيق في المدى القريب. ومع استمرار التدخلات الدولية، يبقى السؤال مفتوحاً حول إمكانية تجاوز هذه التحديات نحو نظام موحد.