اكتشاف مذهل لمدينة نووية مخبأة تحت الجليد في غرينلاند

في لحظة اكتشاف مذهلة أثناء إجراء اختبارات روتينية لأجهزة الرادار فوق شمال غرينلاند، كشف فريق من علماء وكالة ناسا عن بقايا قاعدة نووية سرية كانت مدفونة تحت طبقات الجليد لعقود طويلة. ظهرت الصور على شاشاتهم على شكل شبكة مترابطة من المستوطنات والأنفاق، تذكر بـ”حضارة من عصور مضت، مجمدة في الزمن”، كما وصفها أحد العلماء. هذا الاكتشاف غير المتوقع يفتح أبواباً لفهم تاريخ الحرب الباردة وأسرارها المدفونة تحت الجليد القطبي.

اكتشاف القاعدة النووية في غرينلاند

يروي تشاد جرين، العالم في ناسا الذي كان على متن الطائرة، أن المشهد كان مذهلاً، حيث بدا الأمر كأنه تحليق فوق كوكب غريب، حيث من الصعب تصديق أن أحداً استطاع البقاء في مثل تلك الظروف القاسية. لم يكن ما رصده العلماء حضارة مفقودة، بل بقايا قاعدة عسكرية أمريكية بنيت تحت الجليد خلال فترة الحرب الباردة. كانت هذه القاعدة جزءاً من مشروع سري يدعى “دودة الجليد”، الذي صممته وزارة الدفاع الأمريكية لإنشاء شبكة من مواقع إطلاق الصواريخ النووية تحت الجليد في القطب الشمالي. كان الهدف بناء موقع يسع حتى 600 صاروخ باليستي متوسط المدى، مما يعكس عمق الاهتمام الأمريكي بالسيطرة على المناطق القطبية خلال ذلك العصر.

تم بناء الموقع المعروف باسم “كامب سنتشري” جزئياً عام 1959، لكنه تم إغلاقه في عام 1967 عندما تبين أن الغطاء الجليدي غير مستقر بما يكفي لدعم مثل هذه المنشآت الهائلة. مع مرور الزمن، تراكمت طبقات الجليد فوقها بسمك يتجاوز الـ30 متراً، مما جعلها مغمورة تماماً تحت السطح. هذا الاكتشاف الحديث لم يكن الأول، إذ كانت القاعدة معروفة لدى بعض الأشخاص كمنشأة بحثية، لكن أهدافها العسكرية الحقيقية ظلت سرية حتى عام 1996. في ديسمبر الماضي، التقط جرين وزملاؤه صوراً متكاملة للقاعدة، مما يوفر نظرة شاملة على تفاصيلها المخفية لعقود.

كشف الجوانب السياسية والعسكرية

يذكرنا هذا الاكتشاف بتاريخ الحرب الباردة ومتعلقاته، حيث كان “كامب سنتشري” شاهداً على التنافس الشديد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. لم يكن هذا المشروع مجرد مغامرة عسكرية، بل جزءاً من استراتيجية أوسع لتعزيز الوجود الأمريكي في غرينلاند، التي كانت ولاية دنماركية. خلال تلك الفترة، أدى التواجد الأمريكي إلى جدل دبلوماسي، حيث اضطرت الدنمارك إلى التنازل عن بعض السيطرة على أراضيها لصالح الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على التوازن الاستراتيجي. وصل الأمر إلى حد أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب انتقد الدنمارك علناً لعدم تأمينها غرينلاند بشكل كافٍ، مما دفع بعض المسؤولين الدنماركيين إلى التذكير بمعاهدة عام 1951، التي تسمح لواشنطن بإنشاء قواعد عسكرية في الإقليم عند الحاجة.

في أوج الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة تُدير 17 قاعدة في غرينلاند، بما في ذلك “كامب سنتشري”، وكان يوجد هناك حوالي 10 آلاف جندي أمريكي. اليوم، يقتصر التواجد على حوالي 200 جندي في قاعدة “بيتوفيك” الفضائية، المعروفة سابقاً بـ”ثول”. هذا التغيير يعكس تحولات في استراتيجيات الأمن الدولي، لكنه يظل يثير أسئلة حول مستقبل غرينلاند وسيادتها. مع ذلك، حاول مسؤولون دنماركيون وغرينلانديون تهدئة التوترات من خلال التعبير عن استعدادهم لتعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، بشرط عدم التعدي على السيطرة الكاملة على الإقليم. يبقى هذا الاكتشاف تذكيراً بكيفية أن الماضي يمكن أن يظهر فجأة، محملًا بأسرار تؤثر على العلاقات الدولية حتى الآن.