بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، قررت الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة على سوريا، معتبرة أن ذلك يأتي كرد فعل على زوال الأسباب التي أدت إلى فرضها أصلاً، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه العقوبات كانت تشكل عائقاً أمام إعادة إعمار البلاد وتعزيز استقرارها. كانت إدارة الرئيس السابق جو بايدن قد خففت بعض هذه العقوبات بشكل مؤقت من خلال استثناءات، إلا أن دمشق نفت أن تكون هذه الاستثناءات قد أثرت بشكل ملموس على حياة المواطنين، نظراً لكم الضخم من التشريعات والأوامر التنفيذية الصادرة عن الكونغرس ووزارة الخزانة. وقد أعلنت الولايات المتحدة قرارها خلال زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى السعودية في جولة خليجية، حيث التقى بممثل الحكومة السورية الجديدة، مؤكدا التزام بلاده بالعمل على تطبيع العلاقات بين الجانبين.
رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا
يشكل قرار رفع العقوبات الأمريكية خطوة فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث بدأت هذه العقوبات في ديسمبر 1979 عندما وصفت الولايات المتحدة سوريا بأنها دولة راعية للإرهاب بسبب دعمها لفصائل المقاومة الفلسطينية وتدخلها في لبنان. نتج عن ذلك حظر شامل على تصدير الأسلحة والمبيعات الدفاعية، بالإضافة إلى قيود على المواد ذات الاستخدام المزدوج. مع مرور السنوات، تطور الأمر ليشمل قوانين مثل قانون محاسبة سوريا في 2003، الذي ركز على إنهاء الوجود السوري في لبنان ومعاقبة النظام على تسهيل مرور المقاتلين إلى العراق. في السنوات اللاحقة، امتدت العقوبات إلى مجالات عسكرية واقتصادية ودبلوماسية، مثل حظر شركات الطيران السورية من الوصول إلى الأراضي الأمريكية وسحب السفيرة الأمريكية من دمشق في 2005 عقب اغتيال رفيق الحريري. تحت إدارة باراك أوباما، تم تجديد بعض هذه العقوبات في 2010، مع بعض الرفعات الجزئية، لكنها بقيت سارية حتى اندلاع الثورة السورية في 2011.
إلغاء الإجراءات الاقتصادية ضد سوريا
مع بداية الثورة السورية في 2011، تحولت العقوبات إلى أدوات أكثر تشدداً، حيث ركزت على القمع والانتهاكات الحقوقية، مستهدفة مسؤولين بارزين مثل ماهر الأسد وعاطف نجيب، ثم امتدت لتشمل قطاع النفط والأصول المالية للدولة. بلغت ذروتها في 2020 مع قانون قيصر، الذي يمنع التعامل مع نظام الأسد في مشاريع الإعمار ويهدد الأطراف الثالثة المتعاملة معه، بالإضافة إلى قانون الكبتاجون في 2022 و2024، الذي يستهدف شبكات تهريب المخدرات كمصادر تمويل للنظام. هذه التشريعات أدت إلى عزلة اقتصادية شاملة، لكنها كانت تتيح إعفاءات محدودة، مثل تلك الممنوحة لتركيا في 2019 للعمل في مناطق غير خاضعة لسيطرة النظام، أو الاستثناءات خلال جائحة كورونا في 2019 لاستيراد المواد الطبية، وفي كارثة الزلزال في 2023 لتسهيل تحويل الأموال.
مع السقوط النهائي للنظام، أصدرت الولايات المتحدة رخصة 24 في يناير، التي تخفف العقوبات في قطاعات حيوية مثل الطاقة والمياه والكهرباء لمدة ستة أشهر، مما يسمح بالتعامل مع الحكومة الجديدة دون عرقلة الخدمات الأساسية. هذا الإعفاء يغطي التعاقدات مع الوزارات السورية، باستثناء الدفاع والاستخبارات، ويشمل تسهيل تحويل الأموال الشخصية عبر البنك المركزي، على الرغم من استمرار تصنيف سوريا كدولة داعمة للإرهاب. هذا القرار يمثل نقلة نوعية تجاه دعم الاستقرار، حيث يتيح للدول الأخرى تقديم المساعدات دون خوف من عقوبات أمريكية، مع الحرص على استثناء الأفراد المعاقبين أو القطاعات المشبوهة مثل الاتصالات. في المجمل، يعكس هذا التحول التزاماً بتعزيز السلام والإعمار في سوريا، مع الالتزام بقرارات دولية مثل قرار مجلس الأمن 2254، مما يفتح الباب لمستقبل أكثر أماناً وازدهاراً للسوريين.
تعليقات