في الشهور الأخيرة، بدأت العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل في التعرض لضربات متتالية، كما أشار مقال منشور في صحيفة هآرتس. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصبح أكثر استقلالية، حيث ألغى شرط تطبيع العلاقات السعودية مع تل أبيب مقابل دعم واشنطن النووي للرياض. كما أعلن اتفاقًا مع جماعة أنصار الله في اليمن لإيقاف الضربات العسكرية الأمريكية، وشرع في مفاوضات مع إيران دون استشارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. بل وصل الأمر إلى اتصالات مباشرة من مسؤول أمريكي مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وفقًا للكاتب عودة بشارات، فإن أكبر هذه الضربات كانت إقالة مستشار الأمن القومي مايك بومبيو بسبب نقاش سري مع نتنياهو بشأن هجوم محتمل على إيران. يرى بشارات أن هذه التطورات تشير إلى استيقاظ أمريكا من تأثير إسرائيل، مما يجعلها تتصرف كدولة مستقلة حقيقية، وليس مجرد “جمهورية موز” خاضعة للآخرين.
أميركا تنال استقلالها عن إسرائيل بعد 250 عامًا
يعتقد الكاتب أن هذا التحول يمثل صدامًا مزلزلًا بين الدولتين، حيث تبدأ أمريكا في الانعتاق من سيطرة إسرائيل بعد نحو 250 عامًا من ثورتها الأولى ضد الاستعمار البريطاني. يصف بشارات هذا التغيير بالتمرد الأمريكي العظيم، الذي نجم عن قلق عالمي متزايد تجاه ما يسميه بسخرية “بهلوانية إسرائيل الدبلوماسية” و”احتلالها المستنير” للأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى إغلاق قطاع غزة الذي يسمح فقط بدخول الهواء. إسرائيل، بحسب المقال، تفرض شروطًا جديدة كلما اقتربت من اتفاق، مما يجعل الفلسطينيين وحدهم مطالبين بالاعتراف بها كدولة يهودية وديمقراطية، بينما تظل العرب داخل إسرائيل مواطنين من الدرجة الثانية. كما أن نتنياهو يخدع الجميع، بما في ذلك العرب والأمريكيين، مستلهمًا سياسة القوة منذ عصر ديفيد بن غوريون الأول. على النقيض، يتبنى ترامب نهج الجزرة والعصا، يجمع بين الدبلوماسية والقوة، كما في تعامله مع الحوثيين وإيران، حيث تراجع عن بعض الخطوات عندما أدرك فشلها.
التحرر الأمريكي من تأثير إسرائيل
من منظور بشارات، مشكلة إسرائيل ليست في نتنياهو وحده، بل في افتقارها إلى بديل عن سياسة القوة. فقط ثلاثة من رؤساء وزرائها السابقين حاولوا مسارًا مختلفًا: موشيه شاريت، الذي أطاح به بن غوريون، وإسحاق رابين، الذي دفع حياته ثمنًا لذلك، وإيهود أولمرت، الذي تم إزاحته قبل تنفيذ خطته. كما أن إسرائيل لطالما عاملت البيت الأبيض كفرع من مكتب رئيسها، متدخلة في كل جملة تصدر عن واشنطن بشأنها. هذا الانعتاق الأمريكي يعكس شعورًا عالميًا بأن إسرائيل تجاوزت الحدود، مما دفع ترامب إلى تبني نهج مستقل يؤكد على السيادة الأمريكية. في النهاية، يتساءل الكاتب إذا كان هذا الاستقلال حقيقيًا أم وهمًا، لكنه يؤكد أن الأسباب كلها متضافرة ليصبح هذا التغيير نقطة تحول تاريخية، حيث تنأى أمريكا عن الارتباطات السابقة وتسعى لمصالحها الخاصة في ساحة دولية متغيرة. بدءًا من الشراكات الإقليمية وصولًا إلى السياسات الداخلية، يبدو أن عصر التبعية قد انتهى، مفتحًا الباب أمام علاقات متوازنة أكثر.
تعليقات