في اجتماع عقده حزب العمال الكردستاني هذا الأسبوع، الذي وصفه الحزب نفسه بأنه ناجح، بدت بوادر تحول جذري في مسيرة المنظمة. وفقاً لمصادر مقربة، وافق الحزب على دعوة زعيمه للانحلال، مما يمثل خطوة قد تكون حاسماً في إنهاء عقود من الصراع. كان هذا الاجتماع، المعروف بـ”المؤتمر الثاني عشر”، قد عقد في مناطق الدفاع المشروع بين 5 و7 مايو الجاري، استجابة لدعوة أصدرها القائد عبد الله أوجلان منذ أكثر من شهرين. هذه الدعوة تشمل حل الحزب بشكل كامل وإلقاء السلاح، كما أكد البيان الذي نشر الجمعة.
حزب العمال الكردستاني يتخذ قرارات تاريخية
في البيان الصادر عن الحزب، أكدت أن قرارات ذات أهمية تاريخية تم اتخاذها بناءً على دعوة أوجلان لنزع السلاح وإنهاء وجود الحزب. ومع أن التفاصيل لم تكشف بعد، إلا أن الحزب تعهد بإعلانها في المستقبل القريب جداً. هذه التطورات تأتي في سياق دعوة أوجلان، الذي يقبع في سجن إمرالي منذ عام 1999، والتي وصفها مراقبون بأنها خطوة حاسمة لإنهاء حملة التمرد التي شنها الحزب ضد الدولة التركية منذ عام 1984. وفقاً للتقديرات، أسفرت هذه الحملة عن سقوط أكثر من 40 ألف شخص، مما يجعل دعوة أوجلان إلى حل الحزب وإلقاء السلاح محط اهتمام دولي واسع.
تعود أصول حزب العمال الكردستاني إلى عام 1978، حين أسسه أوجلان في تركيا للدفاع عن حقوق الأكراد وسعيهم لإنشاء وطن قومي. بعد عامين، انتقل أوجلان إلى سورية في عهد الرئيس حافظ الأسد، حيث بدأ الحزب في إجراء عمليات عسكرية ضد تركيا وإيران بدءاً من عام 1984. تصنف أنقرة الحزب كمنظمة إرهابية، وتتهم سورية سابقاً بدعمها، مما أدى إلى توترات إقليمية. في عام 1998، اتهمت تركيا دمشق بدعم أوجلان، مما دفع إلى تهديد بانتشار عسكري، ونتج عن ذلك خروجه من سورية في عملية معقدة.
ثم توجه أوجلان إلى أوروبا محاولاً الحصول على حق اللجوء السياسي، لكنه فشل في ذلك. في 15 فبراير 1999، تم اعتقاله في نيروبي، عاصمة كينيا، على يد المخابرات التركية، ثم نقله إلى تركيا لمحاكمته. هذه الأحداث تشكل خلفية للدعوة التاريخية التي أعلنها أوجلان في نهاية فبراير الماضي، حيث دعا جميع المجموعات المسلحة إلى إلقاء السلاح وحل الحزب. تلقى هذا الإعلان دعماً من نواب حزب الشعوب للعدالة والديموقراطية، الذين زاروه في سجنه.
المنظمة الكردية أمام تحول كبير
مع اتفاق الحزب على هذه الدعوة، يبدو أن مرحلة جديدة تبدأ في مسيرة الكفاح الكردي. هذا التحول يمكن أن يفتح الباب للحوار السلمي مع الحكومة التركية، خاصة أن الصراع الطويل أدى إلى خسائر جسيمة على جميع الأطراف. مراقبون يؤكدون أن هذا القرار، إن نُفذ، قد يساهم في تعزيز السلام في المنطقة، ويفتح آفاقاً لمعالجة قضايا الأكراد من خلال الوسائل السياسية بدلاً من العنف. على الرغم من أن التفاصيل الدقيقة لقرارات المؤتمر لم تُكشف بعد، إلا أن الخطوات التالية ستكون حاسمة لتحقيق هذا الانتقال السلس.
في السنوات الأخيرة، شهد الصراع الكردي في تركيا تطورات متعددة، حيث سعى الحزب من خلال عملياته العسكرية لتحقيق مطالب قومية، لكن الضغوط الدولية والعسكرية أدت إلى إعادة تقييم لهذه الاستراتيجية. دعوة أوجلان، التي تم تلاوتها من قبل نواب كرديين في البرلمان التركي، تعكس رغبة في الانتقال نحو حل سلمي. هذا التحول يمكن أن يؤثر على الديناميكيات الإقليمية، خاصة مع وجود كرد في دول مجاورة مثل سورية والعراق، حيث قد يلهم هذا القرار جهوداً أخرى نحو السلام.
بالنظر إلى التاريخ الطويل للحزب، الذي امتد من نشأته في تركيا مروراً بفترة الاختباء في سورية وصولاً إلى اعتقال أوجلان، يبرز هذا القرار كنقطة تحول. الآن، مع اتفاق الحزب على حل نفسه، يتساءل العديدون عن المستقبل، سواء فيما يتعلق بحماية حقوق الأكراد أو في تجنب استمرار العنف. هذا الخطوة، إن نجحت، قد تكون بداية لعصر جديد من الحوار والتعاون، مما يعزز الاستقرار في المنطقة. ومع ذلك، يظل التحدي في تنفيذ هذه القرارات والتغلب على التحديات الداخلية والخارجية.
تعليقات