صحيفة إسرائيلية: السعودية تعيد كتابة قواعد النووي.. قرار الحرب أو الاتفاق مع إيران يمر عبر الرياض

في الآونة الأخيرة، شهد المنطقة تحولًا ملحوظًا في ديناميكيات التفاوض الإقليمي، حيث أصبحت المملكة العربية السعودية لاعبًا أكثر أهمية في مسارات المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران. هذا التحول يعكس تغييرًا استراتيجيًا يجعل الرياض ليس مجرد مراقب سلبي، بل طرفًا يؤثر بشكل غير مباشر على شروط أي اتفاق محتمل، مما يعيد رسم خرائط التوازن السياسي في الشرق الأوسط.

دور السعودية في التفاوض الإقليمي

تُعد هذه التحولات نتيجة مباشرة لتعديلات في سياسات الرياض، حيث انتقلت من موقف معارض قاطع للاتفاق النووي لعام 2015 إلى دور براغماتي يركز على التأثير في تفاصيل الاتفاقات المستقبلية. هذا التغيير لم يحدث بين ليلة وضحاها، بل نشأ من سلسلة من الأحداث الرئيسية، مثل الهجوم على منشآت أرامكو في عام 2019، الذي كشف عن حدود الدعم العسكري الأمريكي المباشر للسعودية. مع إعادة ترتيب واشنطن لأولوياتها في المنطقة، بدأت الرياض في بناء قنوات اتصال أكثر استقلالية مع إيران، مبتدئة من وساطات عراقية ثم تطورت إلى اتفاقيات مدعومة صينيًا في عام 2023. هذه الجهود مكنت السعودية من الدفاع عن مصالحها الخاصة، مثل تهدئة مخاوف الدول الخليجية تجاه البرنامج النووي الإيراني والنفوذ الإقليمي المتزايد لطهران.

التطورات الاستراتيجية للرياض

وفي هذا السياق، يبرز الدور غير الرسمي للسعودية كوسيط، رغم عدم الاعتراف الصريح من قبل الولايات المتحدة أو إيران. ومع ذلك، هناك مؤشرات من دبلوماسيين أمريكيين وأوروبيين تشير إلى تنسيق سعودي في جوانب معينة من المفاوضات، مما يعزز مكانتها كطرف لا يُغفل في صياغة الشروط. السعودية لم تعد تقتصر على دور المتابع، بل أصبحت جزءًا من عملية صنع القرار، حيث تُأخذ آراؤها بعين الاعتبار في تحديد التوقعات والمخرجات. هذا التحول يعكس رؤية ولي العهد محمد بن سلمان في تعزيز السعودية كقوة إقليمية متوازنة ومستقلة، بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على الولايات المتحدة. من خلال هذا النهج، تسعى الرياض إلى توسيع هامش المناورة السياسي لها، محاولة تجاوز المحاور التقليدية للاستقطاب الدولي، مثل التحالفات مع الغرب أو التصدي لتوسع إيران.

بالإضافة إلى ذلك، يساهم هذا الدور في ترسيخ صورة السعودية كفاعل سياسي حكيم يهدف إلى الحفاظ على التوازن الإقليمي، بدلاً من الظهور كأداة بيد القوى الكبرى. هذا التوجه الجديد يجعلها عنصرًا حاسمًا في أي تسوية مستقبلية بين واشنطن وطهران، حيث قد تكون الرياض المفتاح للتقدم نحو اتفاق يضمن الاستقرار دون الوقوع في حرب. على سبيل المثال، من خلال رعايتها لمبادرات السلام غير الرسمية، تُظهر السعودية قدرتها على تسهيل حوارات تهدئة التوترات، مما يعزز موقعها كقوة ناشئة في الساحة الدولية. هذا الدور المتزايد لا يقتصر على القضايا النووية، بل يمتد إلى قضايا أخرى مثل مكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون الاقتصادي في المنطقة. في نهاية المطاف، يمكن القول إن هذا التطور يعكس رغبة السعودية في أن تكون جزءًا من حلول الصراعات، لا مجرد شهود عليها، مما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الدولي في مواجهة التحديات المشتركة. هذا التحول يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى المشهد السياسي، حيث تصبح السعودية جزءًا أساسيًا في معادلة السلام والأمان في الشرق الأوسط.