استثمار الغاز في العراق: تعزيز الاكتفاء الذاتي
في تشرين الأول 2025، أعلنت وزارة النفط العراقية عن وقف استيراد البنزين، مشيرة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وارتفاع استثمار الغاز المصاحب إلى 74%. تزامن هذا الإعلان مع افتتاح وحدة التكسير بالعامل المساعد (FCC) في مصفى البصرة، والتي تعتبر من المشاريع البارزة في قطاع التكرير منذ عام 2012.
الاستقلالية في مصادر الطاقة
على الرغم من الاعلان الرسمي، تشير مراجعات البيانات المنشورة من مؤسسات دولية، مثل البنك الدولي ومبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، إلى أن العراق لا يزال ضمن الدول الرائدة في حرق الغاز المصاحب. ورغم الجهود المبذولة، فإن مشاريع الاستغلال الكامل لا تزال في مراحل متعددة من التنفيذ. كما أن وزارة النفط لم تصدر تقارير توضح نسب الإنتاج المحلي والاستهلاك والاستهلاك بعد إعلان الاكتفاء.
يتفق مختصون في مجال الطاقة على أن التحدي الأساسي لا يتعلق بتنفيذ المشاريع، بل في التزام الجهات الحكومية بنشر بيانات دقيقة وقابلة للتحقق. فبينما تمثل مشاريع المصافي والغاز خطوة مهمة نحو تقليل الاعتماد على الاستيراد، فإن غياب الإفصاح المنتظم يجعل من الصعب تقييم الحالة الفعلية على الأرض.
حسب البيانات الأخيرة للوزارة، استثمر العراق 74% من الغاز المصاحب للإنتاج النفطي، مما يُعتبر خطوة حاسمة نحو إنهاء ظاهرة حرق الغاز بحلول عام 2029. ومع ذلك، لم تدعم هذه النسبة بتفاصيل توضح كميات الغاز المنتجة والمستثمرة، مما يجعل من الصعب تقييم التقدم الفعلي في ظل عدم وجود تقارير دورية.
يتحدث الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي عن ضرورة وضوح الأرقام بشكل تفصيلي يمكّن من تقييم الأداء الفعلي، حيث أن البيانات العامة ليست كافية لقياس التقدم الحقيقي في مشاريع الغاز، خاصة وأن البعض منها لا يزال في مرحلة الإنشاء أو التشغيل الجزئي.
تشير بيانات البنك الدولي إلى أن العراق يستمر في كونه من أكبر خمس دول في حرق الغاز حول العالم، حيث تقدر الكميات المحروقة بأكثر من 18 مليار متر مكعب سنويًا، مما يثير تساؤلات حول دقة النسب المتعلقة بالاستثمار.
في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة النفط الاكتفاء الذاتي من البنزين، أظهرت المتابعات الفنية أن وحدة التكسير بالعامل المساعد (FCC) في مصفى البصرة لا تزال في مرحلة التشغيل التجريبي. ورغم design capacity المقدر بـ 55 ألف برميل يوميًا من النفط الأسود، إلا أنها لم تصل بعد إلى التشغيل التجاري المستقر كما يشير المختصون في الطاقة.
كما لم تصدر الوزارة بيانات توضح حجم استهلاك البنزين المحلي أو معدلات الإنتاج الفعلية من المصافي. وتشير التقارير الاقتصادية إلى أن العراق كان يستورد ما بين 20 و25 ألف متر مكعب يوميًا من البنزين عام 2024، بكلفة تجاوزت 5 مليارات دولار سنويًا.
يعتبر مراقبون أن إعلان الاكتفاء الذاتي قبل اكتمال دورة تشغيل المشاريع يمثل قراءة سياسية أكثر منها فنية، خاصةً مع اقتراب موسم الانتخابات، حيث تسعى الحكومة إلى إظهار إنجازات اقتصادية ملموسة للجمهور.
على الرغم من ادعاء وزارة النفط برفع نسبة استثمار الغاز إلى 74%، إلا أن تقارير مختبرات الطاقة الدولية تشير إلى أن جزءًا كبيرًا من هذا الاستثمار يعتمد على مشاريع لم تدخل مرحلة الإنتاج التجاري بعد، مثل مشروع معالجة الغاز في البصرة ومجمعات أخرى لا تزال قيد الإنشاء.
يؤكد الخبراء على ضرورة نشر تقارير شهرية رسمية تفصل كميات الغاز المصاحب المنتجة والمستثمرة والمحروقة في كل حقل نفطي، بما في ذلك الحقول التي تديرها الشركات الأجنبية. فغياب هذه البيانات يجعل من الصعب تقييم الأداء ويقلل من ثقة المستثمرين في استقرار قطاع الطاقة.
تُعتبر الشفافية في القطاع النفطي مطلبًا اقتصاديًا أساسيًا لتعزيز الثقة مع المؤسسات الدولية والمستثمرين. فكلما كانت الأرقام أكثر وضوحًا، زادت قدرة العراق على جذب التمويل الخارجي وتوسيع الشراكات الصناعية، خصوصًا في ظل التنافس الإقليمي الكبير على أسواق الطاقة.
توضح الوقائع أن العراق حقق بعض التقدم في مشاريع التكرير واستثمار الغاز، ولكنه ما زال بعيدًا عن مرحلة الاكتفاء الشامل أو السيطرة التامة على حرق الغاز. ويبقى غياب البيانات المفصلة أحد التحديات الأساسية التي تواجه تقييم الأداء الفعلي. يحتاج الاقتصاد العراقي إلى ما هو أبعد من الوعود: إدارة بيانات دقيقة، ومشاريع فاعلة، وأرقام يمكن التحقق منها، بحسب المراقبين.

تعليقات