أزمة الطاقة في العراق
يشهد العراق بداية جديدة في ظل تحديات كبيرة متعددة الأبعاد في ملف الطاقة، حيث تشتبك الاعتبارات الاقتصادية مع السياسة، ويتقاطع الغاز مع الكهرباء، مما يثير تساؤلات حول جدوى الوعود والحقائق. وفقاً لخبير الطاقة دريد عبد الله، يعاني العراق من عجز يتجاوز 60% في توفير الغاز لمحطات الكهرباء حتى نهاية عام 2025، على الرغم من مزج الإنتاج المحلي بالواردات الإيرانية. هذا الوضع يجعل العراق من البلدان الأكثر اعتماداً على الواردات لتلبية احتياجاته من الوقود.
متطلبات الوقود للطاقة
يمتلك العراق حالياً 50 محطة غازية لتوليد الكهرباء، لكن 22 منها فقط تعمل بشكل كامل بالغاز، بينما 5 محطات لا تستخدم الغاز على الإطلاق، مما يزيد من الاعتماد على مزيج من الوقود الثقيل والديزل والنفط الخام. أما المحطات البخارية الثمانية المتواجدة في البلاد، فإن اثنتين فقط منها تعمل بالغاز. يشير عبد الله إلى أن هذه الفجوات البنيوية أدت إلى إنتاج طاقة يقل عن نصف القدرات التصميمية، في حين أن 44.5% فقط من الوحدات الغازية تعمل بالغاز ونحو 27% من التوربينات خارج الخدمة وفقاً للبيانات المقدمة من وزارة الكهرباء للربع الثالث من عام 2025.
تظهر الأرقام أن العراق لا يواجه نقصاً في المحطات بل في الوقود الضروري لتشغيلها، وهذه المشكلة ترجع إلى ضعف إدارة البنية التحتية اللازمة لنقل ومعالجة الغاز. ورغم أن العراق يعد منتجاً رئيسياً للنفط، إلا أنه يُحرق كميات ضخمة من الغاز المصاحب تُقدّرها وكالة الطاقة الدولية بأكثر من 16 مليار متر مكعب سنوياً، وهي كمية كافية لتلبية نصف احتياجات الكهرباء.
تشير التوقعات إلى أن 49% فقط من الكهرباء المنتجة من التوربينات الغازية في العراق يتم تغذيتها بالغاز، بينما تتزايد كلفة الإنتاج بفضل استخدام بدائل مثل الديزل والنفط الأسود، مما يزيد من انبعاثات الكربون. يقول عبد الله إن الغاز يعدّ “وقوداً رخيصاً وذو قيمة حرارية عالية”، موضحاً أن استخدام الغاز بدلاً من الوقود الحالي يمكن أن يرفع من إنتاجية المحطات الكهربائية بنسبة تصل إلى 22% ويوفر أكثر من 5 مليارات دولار سنوياً من خلال خفض كلفة التشغيل وتقليل فاتورة استيراد الوقود.
ووفقاً للتوقعات، ستحصل العراق على نحو 24 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً بحلول عام 2030، وهو ما سيغطي نصف احتياجات منظومة الكهرباء فقط. هذا الرقم يشمل الإنتاج المحلي الحالي والبالغ 13.5 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى موارد مشاريع التطوير المقبلة التي تتضمن توسعة حقول الجنوب بواسطة شركة توتال إنرجي، وزيادة إنتاج كركوك تحت إشراف BP البريطانية، بالإضافة إلى إعادة تشغيل حقلي عكاز والمنصورية ومشاريع جولات التراخيص.
ومع ذلك، يتعين على هذه الخطط مواجهة تحديات حقيقية تتعلق بتمويل المشاريع ونقص البنى التحتية اللازمة لمعالجة الغاز ونقله، فضلاً عن تأخر تنفيذ المشاريع وغياب التنسيق الفعال بين وزارتي النفط والكهرباء. حتى الآن، لا تتجاوز كفاءة معالجة الغاز المصاحب 45%، مما يعني أن أكثر من نصف الغاز المنتج يُهدر عبر الاحتراق. وتشير التقديرات إلى أن تشغيل جميع المحطات الغازية بكفاءة كاملة يتطلب نحو 50 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، في حين أن المجموع المحلي والإيراني لا يتجاوز 20 مليار متر مكعب سنوياً، مما يعكس أزمة حادة في توفير الطاقة.
إن الوضع الحالي يجعل العراق في مرمى تأثير عوامل خارجية مؤثرة، مثل أسعار الغاز العالمية وقرارات الحكومة الإيرانية بشأن التوريد. وبذلك، فإن أي اضطراب سياسي أو مشاكل تقنية في إيران قد تؤثر سلباً على إمدادات الطاقة إلى العراق، كما حدث في أزمات انقطاع الكهرباء أثناء الصيفين الماضيين. ويعكس ما تقدمه البيانات من دعوة لتغيير أسلوب إدارة الطاقة في العراق، حيث يمتلك البلد ثاني أكبر احتياطي من الغاز المصاحب في الشرق الأوسط، ولكنه لا يزال يعتمد على الواردات ويدفع من موارده السيادية. بناءً على المعطيات الحالية، يبدو أن عام 2030 قد يكون نقطة تحول حاسمة في قضية الطاقة في العراق، حيث يمكن أن يشكل فرصة أخيرة لإعادة هندسة إدارة الطاقة، قبل أن تتحول الأزمة إلى وضع بنيوي دائم.

تعليقات