استقرار العراق وسط الأزمات الإقليمية
نجح العراق في الابتعاد عن الأضواء لفترة تجاوزت الثلاث سنوات بالرغم من الأحداث المضطربة التي شهدتها دول الجوار، وفقاً لتقرير نشرته مجلة ذا أتلانتك الأمريكية. فقد تحولت بغداد، التي كانت تعاني من التفجيرات والاقتتال الطائفي، إلى مدينة أكثر استقراراً، حيث تتزين الطرق المؤدية إلى المطار بناطحات السحاب والجسور الحديثة التي ساهمت في تخفيف الازدحام المروري.
هدوء مؤقت في ظل التوترات الإقليمية
يشعر الكثير من العراقيين بالقلق من إمكانية زوال هذه الهدوء، خصوصاً مع الضغوط التي تعرضت لها إيران من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وانهيار “محور المقاومة”، مما يجعل العراق يبدو كآخر حليف رئيسي للجمهورية الإسلامية. وفي هذه الأثناء، يستعد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في 11 نوفمبر، مستنداً إلى شعار انتخابي يعكس مرحلة البناء والتنمية في البلاد. كما أن السوداني قد نجح في توظيف أكثر من مليون موظف حكومي خلال عام واحد، في خطوة تهدف إلى تقليل معدلات البطالة، لكنها قد تعجل بوقع أزمة مالية خطيرة.
شهدت فترة حكم السوداني أيضاً ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار النفط نتيجة للأزمة في أوكرانيا، إلا أن الفساد انتشر بشكل كبير، حيث تعتبر “سرقة القرن” التي حدثت عام 2022، والتي تم خلالها سرقة 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب، مثالاً صارخاً على الفساد المنتشر. تذهب الأموال المنهوبة غالباً إلى الأوليغارشية و”جهات مدعومة من الخارج”، مما يعكس نظاماً مالياً غير مستدام. وأشار مسؤول حكومي سابق إلى أن الهدوء الحالي ناجم عن دفع رواتب الناس، لكنه أكد على أن هذا الوضع قد لا يستمر، وأن الانخفاض في أسعار النفط يمكن أن يؤدي إلى احتجاجات عارمة مثلما حدث في 2019.
وعلى الرغم من محاولات رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي للحد من نفوذ “الجهات المسلحة”، إلا أن السوداني فضل احتواء هذا النفوذ من خلال توزيع العقود الحكومية وفتح “شركة المهندس العامة”، التي وصفت بأنها النسخة العراقية لحرس الثورة الإيراني. وقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على هذه الشركة لاعتبارها واجهة مالية للجماعات المسلحة. كما وقعت وزارة الاتصالات عقوداً مع الحشد الشعبي لتنفيذ مشروعات تتعلق بشبكة الألياف الضوئية، مما يمنح الفصائل مزيداً من السيطرة على البنية التحتية التكنولوجية.
في الختام، تحاول الحكومة العراقية الحالية تحقيق توازن بين النفوذ الإيراني والمصالح الأمريكية ضمن نظام محاصصة سياسي هش. إلا أن التغييرات السياسية الحقيقية تبقى محدودة في ظل استمرار الهيمنة المسلحة. وقد تكون العقوبات الأخيرة دليلاً على تغيرات قادمة في السياسة الخارجية الأميركية تجاه حلفاء طهران داخل العراق.

تعليقات