المفوضية تواجه تحديات صعبة: الالتزام الدستوري مقابل التوازنات السياسية

الانتخابات في العراق و تأثير الفصائل المسلحة

تدخل العملية الانتخابية في العراق مرحلة حرجة تتعلق بقدرة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على تطبيق القوانين المنظمة للمشاركة السياسية، وبالأخص القوانين التي تمنع الأحزاب من امتلاك أجنحة مسلحة أو الارتباط بفصائل عسكرية. مع اقتراب موعد الاقتراع، تثار الكثير من التساؤلات القانونية حول الأسس التي استندت إليها المفوضية في السماح لأحزاب قريبة من فصائل مسلحة بالمشاركة، وسط دعوات لتوضيح الأسس القانونية لهذا القرار، من أجل ضمان نزاهة التنافس واستقلالية المؤسسة القائمة على إدارة الانتخابات.

العملية الانتخابية و التحديات القانونية

حذر الخبير في الشؤون السياسية، مصطفى الطائي، من العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن مشاركة جهات تمتلك أجنحة مسلحة في الانتخابات، حيث أن هذه الممارسات تُعتبر انتهاكاً لمبدأ حياد السلاح عن العمل السياسي وهي تهدد نزاهة العملية الانتخابية. وأكد الطائي، في حديث له، أن مثل هذه المشاركة تُعد خرقًا للدستور والقوانين التي تحظر الجمع بين العمل السياسي وامتلاك تشكيلات مسلحة، مُشيرًا إلى أن الالتفاف على الضوابط القانونية من خلال واجهات مدنية لا يُعد حلاً بل يُعمق المشكلة. كما أضاف أن انخراط الجماعات ذات النفوذ الأمني أو المسلح في الانتخابات يُقوض ثقة المواطنين في النتائج ويُضعف المؤسسات المنتخبة سلفًا.

تشير التحليلات القانونية إلى أن الدستور العراقي ينص بوضوح على منع تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة، وهو ما يتكرر أيضًا في قانون الأحزاب السياسية. وقد اعتبر القانونيون أن تجاهل هذه النصوص يسهم في عدم المساواة بين الكيانات السياسية، ما يضع المفوضية في موقف يتطلب تفسيراً واضحاً لسبب قبول ترشيحات أحزاب ذات خلفيات مسلحة.

في خطوة تدل على تزايد الوعي القانوني في المجتمع المدني، قدم المحامي عباس الكعبي وزملاؤه طلبًا رسميًا إلى المفوضية لتوضيح الأسس القانونية لمشاركة الأحزاب المرتبطة بفصائل مسلحة في الانتخابات، مشددين على ضرورة تطبيق الدستور وحماية مؤسسات الدولة. وبالرغم من هذا التوجه، يُبرز الموقف الحالي عدم وضوح الإجراءات التي تتخذها المفوضية لوقف تسجيل الأحزاب المخالفة أو لتحجيم مشاركتها، مما يثير تساؤلات حول مدى استقلاليتها والالتزام بمبادئ المساواة.

وفي هذا الصدد، يشير غازي فيصل، مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن وجود عشرات الفصائل المسلحة يمثل تحديًا لبناء نظام سياسي مدني. ويضيف أن الفتوى التي صدرت في عام 2014 لم تكن تهدف لإنشاء تشكيلات حزبية مسلحة بل لتجنيد المواطنين في القوات المسلحة الرسمية. ويؤكد المختصون أن استمرار هذا التناقض من شأنه أن يزعزع مبدأ تكافؤ الفرص بين المتنافسين ويشكل تهديدًا لمصداقية الانتخابات.

تُظهر هذه المعطيات أن العراق يواجه أزمة بنيوية في العلاقة بين الدولة والسلاح، وتتعارض مصالح القوى السياسية مع تطبيق القانون. بينما تُعاني المفوضية من ضغط الواقع السياسي، فإن تجاوزها للمخالفات القانونية يُهدد القيم الأساسية للعملية الانتخابية ويترك سؤالًا عالقًا حول قدرة الدولة على حماية ديمقراطيتها من هذه الضغوط.