واشنطن تتوصل لتسوية مع الفاسدين وتضع حدوداً للمناصب السيادية، وقاآني يصل بغداد لمساعدة الحكومة
التحولات السياسية في العراق
يمضي العراق نحو انتخابات نوفمبر في ظل مشهد سياسي يميل أكثر إلى التفاهمات الخفية بدلاً من الاعتماد على الإرادة الشعبية المتمثلة في صناديق الاقتراع. في ظل الأحاديث حول تغيير الوجوه والقيام بإصلاحات في النظام السياسي، تظهر ملامح مرحلة جديدة مُبنية على هندسة الدولة من الداخل باستخدام المال والتسويات، مما يعيد تعريف مفهوم السيادة في بلد تعرض لعدم الاستقرار على مدى عقدين.
التوظيف الخارجي في الشأن المحلي
تشير تسريبات إلى وجود سبعة إلى ثمانية مناصب سيادية محورية تم إدراجها ضمن “الخط الأحمر السياسي”، حيث لا يمكن الاقتراب منها إلا من خلال تفاهمات مسبقة بين العراق والولايات المتحدة، وتشمل الرئاسات الثلاث والمواقع الأمنية الحساسة. يُعتَقَد أن هذا التفاهم يهدف إلى “تحييد الدولة عن الفوضى”، لكنه يعتبر في صميمه تكريساً لمرحلة وصاية ناعمة حيث تتداخل مصالح الداخل والخارج. وفي إطار هذه التفاهمات، تبرز مؤشرات على مشروع أمريكي لإدارة التحولات في العراق عبر أدوات مالية، مما يجعل المال أداة للتحكم الاقتصادي والسياسي.
في السياق نفسه، عادت إيران إلى الواجهة عبر زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني لبغداد، حيث أجرى سلسلة من الاجتماعات مع قادة الأحزاب الشيعية لتنسيق الخطوات السياسية، ومحاولة منع واشنطن من التدخل المباشر في القرار العراقي. هذا التوقيت يتزامن مع انحصار نفوذ إيران وضغوط أمريكية متزايدة على الاقتصاد العراقي. تعيين رجل الأعمال الأمريكي مارك سافايا كمبعوث خاص لبغداد يؤكد تلك التوجهات، حيث يهدف إلى متابعة جوانب التمويل والنفوذ، خاصةً مع الاستعداد للانتخابات.
تأتي هذه التحركات في وقت يُظهر تصعيد دبلوماسي بين واشنطن وبغداد، تمثل في مكالمة حادة بين وزير الخارجية الأمريكي ورئيس الوزراء العراقي بشأن نزع سلاح الفصائل المسلحة. يُفهم هذا التصعيد وظهور المبعوث كجزء من استراتيجية ضغط أمريكي تضم مزيجاً من التعاملات السياسية والدبلوماسية. أستاذ العلوم السياسية يشير إلى الترابط بين تعيينات الرئاسات والمنصّات في السياق العام لهيمنة المحاصصة المكوناتية، ما يُسهل التدخلات الخارجية.
في إطار محاربة الفساد، كشفت مصادر عن مبادرة أمريكية تسمح للمتورطين بإعادة ثلاثة أرباع ما نهبوه من المال العام مقابل الاستفادة من نسبة 20% والخروج من مناصبهم بسلام. يعتبر بعض الخبراء أن هذه السياسة لا تعالج الوضع بل تعيد تشكيل النظام الحاكم بطرائق مختلفة. في الوقت نفسه، تمثل التوجهات الأمريكية في التعامل مع الفساد أسلوباً للضغط السياسي، فالأسماء المتورطة في الفساد تحتفظ بنفوذ كبير، مما يعكس تركيبة سياسية معقدة تحتاج إلى إعادة تقييم.
إذا أخذنا في الاعتبار التجارب الدولية، فإن مساعي الحكومات في دول مثل السعودية لمكافحة الفساد تعد مرجعًا مقارنةً بالتجربة العراقية، حيث تعثرت جهود الاصلاح وتم تسخيرها لصالح إعادة توزيع القوة. الاقتصاديون يؤكدون أن الفساد تحول إلى بنية سياسية متحكمة في الاقتصاد، مما يعزز فكرة أن الإصلاحات تعيد توزيع السلطة بدلاً من بناء دولة حقيقية. خلاصة القول، يظهر أن العراق مقبل على ترتيب جديد لمراكز القوة، مع استمرار الهيمنة الخارجية على القرار الداخلي.

تعليقات