الفقد والذكريات
إنني أجد نفسي ضعيفاً أمام شبح الموت، وأزداد ضعفاً عندما يطرق أبواب أصدقائي أو يأخذ منهم أحبّتهم الذين يشبهون أرواحهم.
في مثل تلك اللحظات، ما أفكر فيه هو التمسك بالحروف، فهي الوسيلة المتبقية لنا للنجاة من صمت الفقد الثقيل.
وفي ليلة رحيل حسّان حسن حجاب الحازمي، شعرت بأنّ قلبي قد خُذل، وأنّ الكلمات التي لطالما وجدت solace في تقديمها للآخرين قد خذلتني هذه المرة.
يا أبا حسّان..
لا يمكن لأحد أن يمتلك اللغة عندما يُختبر القلب في أشدّ المحن. ولا يدرك معنى الفقد كما يدركه من عاش حياته في تشكيل المعاني من خلال الكتابة، مع الإيمان بأنّ الكلمة تحمل في طياتها عزاءها الخاص.
لكن، ما هو العزاء الذي يمكن أن يقدّم لأبٍ فقد ولده؟
وما هي الكلمات التي يمكن أن تقنع القلب بأنّ هذا الغياب ليس نهاية، بل هو عبور إلى رحمة أوسع من قدرتنا على التصور؟
أكتب إليك، ليس لأنّ الكتابة تقدم لي خلاصاً، ولكن لأنّ الصمت أمام ألمك يعد جريمة في حقّ الصداقة والمعنى والإنسانية.
لقد عرفتُك منذ البدايات كأديب يتكئ على جذور حكمة حجاب الحازمي، والدك الفاضل، الذي أوصل لجازان أنّ الكلمة هي الوطن، وأن (الضمديّ) حين يكتب، يكتب بدمه.
وخرج حسّان من تلك السلالة، يحمل إشراق جده في وجهه، وصدى والده في اسمه، ونبل والدته في ابتسامته.
يا أبا حسّان..
إنّ ابنك لم يمت، فالموت لا يمكن أن يغلق الأبواب التي فتحت على الوعي والنور.
رحل الجسد، لكن الروح لا تزال هنا:
تتجسد في تفاصيلك، وفي نظرة والدته، وفي سكون البيت عندما يُفتح المصحف، وفي لحظات التأمل بين السطور وأنت تكتب، وفي الرائحة التي تسبق الدعاء، وفي الصدى الذي لا يختفي.
كل من عرفك يعلم أنك لم تُربِّ أبناءك فقط على الأنساب، بل على المعاني.
لذلك، لن تكون حياة حسّان صفحة مغلقة، بل سيبقى سطراً مضيئاً في كتابك الممتد، يذكّرك بأنّ ما يخلده الإنسان ليس العمر، بل الأثر.
يا صديقي..
تذكر أن الله عندما يأخذ، لا ينتزع منا، بل يرفع ما نحب إلى مقام أعلى.
إنّه يختبر صدق إيماننا، ويمنحنا من الألم ما يرقّق القلب، ويعيد ترتيب أولوياتنا.
سيبقى منزلكم، كما كان، بيت علم وأدب وصبر.
وستظل جازان تعيش ألمك كأنه ألمها، وتقول معك:
إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم ارحم حسّان، وامنح والديه الصبر الذي يليق بأهل النور.
واعلم، يا أبا حسّان:
أن الأب لا يفقد ابنه حقاً، بل يُودّعه إلى الله، ويظل يراه في كل صباح جديد وكأنه يعود من الغيب مبتسماً.
سلام على حسّان في عليائه، وسلام على قلبك الكبير، وعلى الأمّ الصابرة التي جعلت من الدعاء صلاة لا تنقطع.

الألم والذكريات
إن الفقد تجربة صعبة تدعنا نبحث عن الكلمات التي تخفف عنا. وربما الكلام لا يكون كافياً، لكنه يبقى الأداة الوحيدة للتعبير عن مشاعرنا. كيف يمكن كتابة نص يحمل مشاعر الحزن والذكريات والفراغ الناتج عن فقدان شخص عزيز؟ لا شيء يمكن أن يقال ليخفف من الألم، لكنني أجد solace في الكتابة والذكريات التي تجعل me اشعر أنني على قيد الحياة، رغم كل شيء.

تعليقات