الحرب الرقمية في العراق
في بلد عانى طويلاً من ويلات الحروب والنزاعات، يشهد اليوم العراق تحولًا جديدًا في نوعية الصراع الذي يخوضه. فبعد تأثيرات المعارك الميدانية، تبرز جبهات جديدة من الحرب تتعلق بالعالم الرقمي. تلك الحرب الرقمية تعكس مواجهة تختلف عن الماضي، حيث تتداخل فيها اعتبارات الأمن الوطني مع حرية التعبير، فيما تتعارض إجراءات “حماية الدولة” مع حقوق المواطنين في التعبير عن آرائهم.
الصراع الإلكتروني وتأثيره على الحريات
تسعى السلطات العراقية إلى التعامل مع ما تصفه بـ”المنصات السوداء” التي تروج للتطرف والتحريض، لكن هذه العمليات تمتد لتطال الأصوات المستقلة الناقدة، سواء كانت كُتابًا أو صحفيين أو مدونين. وبهذا، تتطور المعركة، التي بدأت كمواجهة مع الإرهاب الإلكتروني، لتشمل قمع الأصوات الحرة. يشير النائب ياسر إسكندر، عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، إلى أن الجماعات المتطرفة استغلت الإنترنت لسنوات في تجنيد الشباب والترويج لأفكارها، خاصة بعد عام 2014، ما جعل محاربة هذا الفضاء جزءًا لا يتجزأ من الجهود الحكومية لمكافحة الإرهاب.
ويستمر إسكندر في القول إن هناك جهودًا تكنولوجية وقانونية مستمرة لمواجهة تلك الحسابات المروجة للتطرف، مشددًا على أن الحماية من الشائعات والأفكار المتطرفة تعد أولوية وطنية. ومع ذلك، فإن التصعيد في الإجراءات الأمنية شمل أيضًا تصعيدًا ملفتًا تجاه المنصات الإعلامية الناقدة، مما يثير الجدل حول علاقة الأمن بالحريات العامة.
يتحدث السياسي المستقل طلال الجبوري عن تزايد القيود الموجهة للأصوات النقدية، حيث تتعرض المنصات الإعلامية التي تعبر عن رأي معارض للسلطة لخطر الإغلاق. وقد أكد تحقيقات منظمة ARTICLE 19 وجود إغلاقات لمئات الحسابات بناءً على بلاغات بسبب انتهاكات غير دقيقة. وترى المنظمات الحقوقية أن هذه الحملة تشير إلى تراجع كبير في مساحة حرية التعبير بالمجتمع.
علاوة على ذلك، تحدثت تقارير عن ظهور “جيوش رقمية” تسعى لتضخيم روايات معينة، وهي مرتبطة بأجندات سياسية وأمنية. وتزعم تقارير أن هناك عمليات لاختراق حسابات مستخدمين مستقلين وتهمهم بالطائفية أو الإرهاب. وعلى الرغم من عدم صدور بيانات رسمية توضح طبيعة هذه الأنشطة، فإن تزامنها مع إعلان حملة “الذراع الإلكترونية” يثير تساؤلات حول الحدود الفاصلة بين مواجهة التطرف وحماية السلطة من النقد.
تعمل هيئة الإعلام والاتصالات حاليًا على تقييد محتوى يُعتبر ضارًا بالأمن، مما يتسبب في زيادة الضغوط على حرية التعبير. ويتكرر التحذير من أن التعاون بين الحكومة وشركات التكنولوجيا قد يؤدي إلى تقويض الحقوق المدنية، مما يؤكّد على ضرورة وجود تشريعات واضحة تحدد معايير الحجب والرقابة.
وفي ظل غياب هذه التشريعات، يظل النظام القانوني العراقي يتناقض مع الحقوق المكرسة، ويبدو أن “الذراع الإلكترونية” باتت أداة قد تُستخدم لمواجهة المعارضة تحت ستار حماية الأمن. لذا، ينبغي على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان متابعة الوضع في العراق لضمان عدم تفشي القمع الرقابي على حرية التعبير والمعلومات.

تعليقات