الوحدة الفلسطينية
تشهد القاهرة حالياً سلسلة من الجلسات الحوارية بين الفصائل الفلسطينية، وليست تلك الاجتماعات مجرد لقاءات روتينية، بل هي تجسيد حي للدور التاريخي الذي تلعبه مصر كداعم رئيسي للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. تعيد مصر الحياة للمشروع الوطني الفلسطيني، مؤكدة أن “اللاءات الثلاث” التي أعلنها رئيسها منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة – وهي رفض التهجير، رفض تصفية القضية، ورفض تحويل غزة إلى “ريفييرا” – تمثل مبادئ أساسية لا تقبل التراجع أو المساومة.
الاندماج الوطني الفلسطيني
ويستوجب فهم الجهود المصرية الساعية لتحقيق الوحدة الفلسطينية تحليل دقيق لطبيعة الانقسام الفلسطيني، حيث أن هذا الانقسام لا يقتصر على صراع إداري أو تنافس على النفوذ بين الفصائل، بل يجسد أزمة نظام سياسي مفعّل بشكل يخدم المشروع الإسرائيلي. لقد أدى إلى تحوير القضية الفلسطينية من صراع وجودي إلى تنافسات داخلية، مما يهدد استمرارية النضال. ويعتبر هذا الانقسام من أخطر العوائق، حيث يضيع الفرص التفاوضية، ويعزز من مبررات إسرائيل للتهرب من التزاماتها، بالإضافة إلى تقديم صورة مشوّهة عن الفلسطينيين كأشخاص غير قادرين على إدارة شؤونهم.
الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تسعى إليها مصر هي الخطة الاستراتيجية الضرورية، وهي بحاجة إلى برنامج تنفيذي واضح. ويشكل البيان الصادر عن القوى والفصائل الفلسطينية المجتمعة في القاهرة أساساً متيناً لهذا البرنامج، حيث يتضمن اتفاقاً على دعم وقف إطلاق النار، وسحب قوات الاحتلال، ورفع الحصار، وفتح المعابر، ما سيساعد في بناء الثقة بين المواطن الفلسطيني وقياداته.
ومع ذلك، فإن الطريق نحو الوحدة لا ينتهي عند هذه الخطوات. فالخطوة التالية تتطلب توحيد الجهة المفاوضة، عبر تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية كمظلة شاملة لجميع الفصائل، بما فيها حركة حماس، من أجل العمل سوياً تحت قيادة واحدة تمثل الشرعية الجامعة للشعب الفلسطيني. كما يجب أن تتفق الفصائل على استراتيجية مقاومة مرنة تجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي، والنضال المشروع، مع مراعاة التكيف بحسب الأوضاع الجغرافية والسياسية.
من الضروري أيضاً وضع آليات محددة لتنسيق الأنشطة المقاومة في مختلف المدن، بهدف تحقيق أقصى استفادة تكتيكية وتفادي الفوضى التي قد تؤدي إلى اقتتال داخلي. إن الالتزام المصري الثابت بدعم القضية الفلسطينية ليس مجرد موقف دبلوماسي، بل هو أمانة قومية، إذ تدرك القاهرة أن أمنها الاستراتيجي مرتبط باستقرار الوضع الفلسطيني. إن الوحدة التي تسعى إليها مصر ستتيح فرصة التعامل مع طرف فلسطيني قوي وموحد، مما سيعزز من فاعلية الدعم العربي والدولي، ويقلل من إضاعة الوقت والجهد في محاولة جمع الأطراف المتنازعة.
اليوم، الخيار أمام الفلسطينيين واضح، إما الوحدة أو خطر الانقسام. يدق الوقت ناقوس الخطر، فالمتناول اليوم على طاولة الحوار في القاهرة قد لا يتوفر مجدداً. هنا في القاهرة، تُبنى جسور الحياة لمشروع وطني كان على حافة الهاوية، ولتثبت فلسطين مجدداً أنها القضية الحية، إذ يصر شعبها على تمسكه بأرضه، وأمتَه متمسكة بحقها، ومصر ستظل داعمة لهذه القضية.

تعليقات