عُنيزة: رحلة عبر الزمن من الماضي إلى الحاضر – صحيفة خبر عاجل

عُنيزة: مدينة تجمع بين الأصالة والحداثة

تُعتبر عُنيزة من المدن التي تسير بخطوات واثقة، كما لو كانت تعي مكانتها وتفهم أن الجمال ليست مسألة تسارع، بل هو فن يُعاش ويستمتع به. تُشرق الشمس في عُنيزة بين النخيل، مُعطيةً نوراً يعبق بكلمات الذكريات القديمة، إذ لا يزال رملها يحتفظ بأثر الخطى، وصوتها يتردد في الهواء كما لو كان صدى للحنين.

عمق التراث وروح التقدم

تتحدث عُنيزة بلغة الزمن، حيث تحمل في طياتها قصة أصالة متعاقبة وحياة متجددة. انطلقت الحكاية من بئر صغيرة وبساتين خضراء، حيث بنى أهلها مجتمعهم بنيةٍ طيبة، ولم يحتاجوا إلى أحد ليعرفهم، بل كانت لهم الريادة في التعريف بأنفسهم بين القوافل ورحلات المغامرين. نشأت فيها تجارة، وعلم، وكرم يُضرب به المثل، وقامت بتطوير نفسها حتى أصبحت نجمةً في نجد، يقصدها الشعراء والتجار ويتداول عنها الرحالة بإعجاب.

في يوم من الأيام، وصف أمين الريحاني عُنيزة بأنها “باريس نجد”، ولم يكن في ذلك مُبالغة، فقد رأى فيها ذوقًا رفيعًا وحياةً متطورة تتسم بروح الأصالة. اليوم، تتألق المدينة بحداثتها التي تتناغم مع تقاليدها؛ تمتلك مشاريعها رؤيةً مستقبليةً، من تطوير البنية التحتية إلى تنظيم مهرجانات تمثل علامةً لها.

تزداد شوارعها اتساعًا، وتنتظم مبانيها بشكلٍ جميل، إلا أن روحها لا تزال تحتفظ بمسحةٍ من الدفء، حيث تُعنى بلديتها بحاضرها وبتراثها في آنٍ واحد. أهل عُنيزة دائمًا في طليعة المبادرات، لا ينتظرون من يقدم لهم الدعم، بل هم السباقون في كل خطوة.

جمال عُنيزة يكمن في توازنها الفريد؛ تعرف تمامً ما تُريد، تجمع بين البساطة والتطور دون أن تفقد أسلوبها. في كل زاوية من زوايا المدينة، يتجسد تميزها، فتتواجد الأسواق العصرية إلى جانب الأسواق التقليدية، وتختلط المزارع بالنباتات الحديثة، لتُعبر عن ماضيها وحاضرها معًا.

عندما يزور أحدهم عُنيزة، يشعر كأنه في قلب لوحة فنية حية، حيث تعكس كل مكوناتها التحول، لكنها تبقى وفية لجذورها. من جادة التمور، التي أصبحت وجهةً سياحية، إلى مهرجان عنيزة الزراعي الذي يُظهر قدرة الأرض على العطاء، تُعاش المدينة على إيقاع خاص يتناغم مع التراث والعصر.

الناس هم سر هذه الحكاية؛ يتم قياس المدينة بأهلها، وأهل عُنيزة يمتازون بالكرم والعلم والفطنة، حيث فتحوا أبوابهم للزوار وأخذوا على عاتقهم تربية أبنائهم على القيم الإيجابية. اليوم، يواصل الجيل الجديد هذا الإرث لكن بروح عصرية، يعملون بجد ويبتكرون، محافظين على تقاليد أجدادهم.

بين الأمس واليوم، الفارق هو كما الفرق بين شروق الفجر وضوء النهار. عُنيزة تحتفظ بنورها الخاص، وتُظهر كأحد النماذج الرائدة في التنظيم والتطور. تتمسك بجذورها بينما تُزرع المستقبل، تسير بخطى ثابتة بلا استعجال، مدركة أن النجاح يأتي لمن يعمل بصمت.

عُنيزة ليست بحاجة إلى من يُعرّفها، فهي القصة ذاتها، تمتد من وادي الرمة إلى مزارع النخيل، ومن الأسواق القديمة إلى المشاريع الحديثة، وكل زاوية فيها تفصح عن قيمتها الثمينة. لقب “باريس نجد” لا يحمل مغزيًا عابرًا، بل هو تجسيد لروحٍ راقية لا تُعرف بالانطفاء؛ نجد فيها توازنًا نادرًا بين الطين والعلم، بين الحنان والحكمة، بين ماضيها الذي شيد، وحاضرها الذي يقف بجانبها.

بينما تروي عُنيزة قصتها بهدوء، تدرك أنها ليست مجرد لحظات عابرة، بل تظل أثرًا خالدًا في ذاكرة نجد وقلوب كل من زارها، لتبقى دائمًا في الذكرى..