الإعجاز في قصة سيدنا يونس
عقد الجامع الأزهر ملتقى التفسير ووجوه الإعجاز القرآني اليوم الأحد، تحت عنوان: “مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن قصة سيدنا يونس”، بحضور مجموعة من الأساتذة والعلماء، حيث أدير الملتقى من قبل الأستاذ عمر هاشم، المذيع بالتلفزيون المصري.
البراعة البيانية في السرد القرآني
استهل فضيلة الدكتور عبد الشافي الشيخ الحديث عن قصة سيدنا يونس (عليه السلام) كما وردت في سورة الصافات، واصفًا إياها بأنها تمثل نموذجًا فريدًا للإعجاز البياني في القرآن الكريم. فقد جسدت الآيات الأحداث بصورة رائعة، تجمع بين الإيجاز والإحكام، مبتدئة بعبارة “وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ” لتؤكد مكانته، ثم تنتقل فورًا إلى لحظة انفصاله عن قومه بالتعبير القوي “إِذْ أَبَقَ”، مما يوحي بالسرعة والغضب البشري، خاصة أنه تعجل في اتخاذ قرار لم يؤذن به الله سبحانه وتعالى، مما يعكس خطورة التخلي عن أمر الله حتى لو كان اجتهادًا نبويًا. يظهر الإعجاز في تصوير المراحل المتتابعة بشكل مترابط وإيقاع سريع: بداية بالإباق إلى “الفُلْكِ الْمَشْحُونِ” واللجوء إلى “فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ” (أي المغلوبين في القرعة)، وصولاً إلى مشهد “فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ”، حيث أضيفت الفاء لترتيب الأحداث بشفافية.
وأضاف فضيلة الدكتور عبد الشافي الشيخ أن ذروة البيانية تكمن في بيان سبب النجاة عبر قوله: “فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ”، حيث يُظهر الإعجاز الربط المحكم بين التسبيح والاستغفار في الرخاء ونجاة المؤمن في الشدة، مبينًا قيمة العبادة والدعاء كحماية من العقاب. اختتمت القصة بتصوير دقيق للإنقاذ والامتنان الإلهي، “فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ”، كما رعى الله يونس بعد الابتلاء بإنبات “شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ،” لا سيما في تفاصيلها البيانية التي تدل على الرحمة الإلهية، مما يعكس هذا التسلسل في عرض القصة، واستخدام الألفاظ الموحية يحقق الإعجاز البياني في النص.
من جانبه، أضاف الدكتور مصطفى إبراهيم الإعجاز العلمي في القرآن من خلال الوصف الدقيق لظلمات البحار، كما يتجلى في قوله تعالى “أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ”. يكمن الإعجاز في تعبير “ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ”، ويتماشى هذا مع الاكتشافات الحديثة بشأن الأمواج الداخلية في أعماق المحيطات، وهي طبقات من المياه تتفاوت في الكثافة والحرارة. يحقق هذا الوصف الدقيق مستوى من الفهم لم يكن متاحًا للإنسان وقت نزول القرآن، ويرتبط أيضًا بدعاء يونس وهو في ظلمات البحر، حيث استجاب الله له معبرًا عن قدرته في التخليص من الظلمات.
يُذكر أن ملتقى “التفسير ووجوه الإعجاز القرآني” يُعقد أسبوعيًا في الجامع الأزهر، ويهدف إلى إبراز المعاني والأسرار العظيمة الموجودة في القرآن الكريم، وهو تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات الوكيل، مما يسهم في إثراء المعرفة الإسلامية.

تعليقات