بوادر تدخل أمريكي جديد في العراق
في خطوة تُشير إلى تغييرات أعمق من مجرد العلاقة الدبلوماسية، أطلق المبعوث الأمريكي إلى العراق، مارك سافايا، مجموعة من التصريحات اللافتة. حيث أكد أن واشنطن “ستعمل مع كافة الأطراف العراقية لضمان عراق قوي يمكن له أن يكون شريكاً حقيقياً للولايات المتحدة بعيداً عن النزاعات الإقليمية”. وعبّر سافايا عن رغبته في إعادة عظمة العراق، مشيراً إلى أن الزيارة القادمة لبغداد ستحمل رسالة واضحة تؤكد التزام واشنطن بدعم عراق قوي وموحد.
شراكة استراتيجية جديدة
فُسرت تلك التصريحات التي تميزت بلهجة ودية ومباشرة على أنها بداية مرحلة جديدة من الانخراط الأمريكي في الملف العراقي، مما أثار تساؤلات حول طبيعة الدور الذي سيؤديه المبعوث الذي يأتي من عالم الأعمال بدلاً من البروقراطية الدبلوماسية. وبحسب الباحث الأكاديمي نبيل العزاوي، فإن “المبعوث مارك سافايا يسعى لإرسال رسائل طمأنة والعمل المشترك لتخفيف المخاوف بشأن تأثير وجوده على العلاقات العراقية الأمريكية”. وأوضح العزاوي أن قول سافايا بوجوب العمل مع جميع الأطراف لتعزيز عراق قوي يُعبر عن نية الولايات المتحدة لتعزيز الروابط السياسية والأمنية والاقتصادية، بحثاً عن بيئة ملائمة للاستثمارات المستدامة.
ويعتقد العزاوي أن تعيين مبعوث خاص للرئيس الأمريكي سيساهم في تعزيز مكانة العراق دولياً، ويسهل تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة عام 2008، والتي لم يتم تنفيذ سوى نسبة ضئيلة منها. هذه الخطوة قد تفتح المجال لعلاقة ثنائية تستند إلى مبدأ الشراكة، مما يمنح واشنطن فرصة لاستعادة صورتها بعد سنوات من فتور العلاقات. جاءت تصريحات سافايا بعد أيام من المكالمة الهاتفية بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي أبرز التباين بين الخطابين العراقي والأمريكي. ففيما ركز بيان الحكومة العراقية على مفردات السيادة والشراكة، أكد البيان الأمريكي على ضرورة نزع سلاح الفصائل وتقليص النفوذ الإيراني.
وفقا للخبير في الشؤون الاستراتيجية محمد التميمي، يعكس الاختلاف بين البيانين تنوع وجهات النظر، حيث تحاول بغداد تعزيز خطاب السيادة بينما تسعى واشنطن لضبط الإيقاع الأمني عبر العراق. كلا الطرفين الآن في مرحلة اختبار جديدة لحدود علاقتهما، مع حرص العراق على الحفاظ على استقلال قراره ورغبة الولايات المتحدة في تقليص نفوذ الفصائل المسلحة.
تعيين مارك سافايا مبعوثاً خاصاً، بدلاً من سفير تقليدي، يعكس تحولاً في أسلوب إدارة ترامب للملفات الخارجية. يُعرف سافايا، الذي يمتلك أصولاً عراقية، بلقب “ملك القنب في ديترويت”، وهو يمثل نموذجاً لـ”الدبلوماسية التنفيذية” التي تمزج بين القرار السياسي والبُعد الاقتصادي. يرى المراقبون أن هذا التعيين يدل على تحول العلاقة بين العراق والولايات المتحدة نحو الإدارة المباشرة، حيث يحمل المبعوث صلاحيات خاصة للتعامل مع ملفات الحرية والاستثمار والأمن بشكل مباشر.
تتزامن هذه التطورات مع استعداد بغداد للانتخابات المقبلة، مما يجعلها ساحة اختبار للعلاقة بين العراق وواشنطن. تسعى الإدارة الأمريكية لضبط المشهد من بعيد عبر أدوات ناعمة، بينما تحدد الحكومة العراقية استراتيجيتها لتوازن بين الانفتاح على واشنطن وتفادي استفزاز طهران. وبالرغم من أن العقوبات قد تكون خياراً متاحاً، يسود حالة من الترقب قبل اتخاذ أي قرار حاسم.
في النهاية، يمكن القول إن السياسة الأمريكية الجديدة قد تستفيد من التوجه نحو “التحكم الناعم”، حيث يتم استبدال النفوذ العسكري بالأدوات الاقتصادية، مما يتيح لواشنطن التأثير في القرارات العراقية دون الحاجة لقواعد عسكرية. إن وجود سافايا يمثل خطوة نحو تعزيز هذه الديناميكيات الجديدة، حيث تستمر الولايات المتحدة في إعادة تشكيل قواعد اللعبة في العراق.

تعليقات