الأزمة التشريعية في العراق
تتضح الأزمة التشريعية الحالية في مجلس النواب العراقي من خلال التجاذبات المستمرة التي تعكس خللاً هيكلياً في طريقة عمل البرلمان. حيث تُعتبر قاعدة النصاب القانوني عنصراً أساسياً لضمان الشرعية، لكنها تواجه تحديات سياسية متكررة تُثنيها عن التفعيل الجاد، خاصة في ظل المصالح الانتخابية والولاءات الحزبية التي تُعيق سير العمل البرلماني. مع اقتراب انتهاء الدورة النيابية، تزداد عدد القوانين المعلقة التي لم تُصوت عليها، مما ينم عن وجود فجوة واضحة بين النصوص الدستورية التي تؤكد استمرارية التشريع وبين الواقع الذي يُفضل فيه النواب تلبية مصالحهم الانتخابية على واجبهم الدستوري.
المشكلات المؤسسية
يرى النواب والمراقبون أن هذه الفجوة لا تتعلق فقط بعدد الجلسات المعطلة، وإنما تمتد إلى تأثيرها العميق على ثقة المجتمع في قدرة المؤسسة التشريعية. كما أن القوانين المؤجلة تمس مباشرةً حقوق المواطنين وملفات الوزارات والهيئات الخدمية. وبالتالي، فإن العجز الموجود ليس مجرد فشل في الإجراءات، بل هو يعكس ضعف الإرادة المؤسسية في تجاوز الصراعات الانتخابية لصالح المصلحة العامة.
النائب مختار الموسوي أشار إلى أن الجلسة الأخيرة لم تشهد سوى حضور 141 نائباً، وهو ما يُعتبر غير كافٍ لتحقيق النصاب القانوني، لافتاً إلى أن الكثير من النواب اختاروا البقاء في محافظاتهم لمتابعة حملاتهم الانتخابية بدلاً من الالتزام بأعمال البرلمان. هذه الظاهرة توضح تناقضاً حاداً بين وعي النواب بأهمية وجودهم في البرلمان وأولوياتهم الانتخابية الشخصية.
وأشار الموسوي إلى أن تبني غرامات مالية إضافية وتشديد الإجراءات قد يُجبر النواب على الحضور، ما يعكس أن الانضباط البرلماني بات مرتبطاً بالعقوبات أكثر من الوعي الضروري بأهمية القوانين. إذا كان شرط النصاب قد أُعتبر سابقاً وسيلة لضمان المشاركة، فقد تحول إلى أداة لتأجيل القرارات وتعطيل العمل التشريعي في العراق، مما يعكس إرادة سياسية تتحكم في توقيت انعقاد البرلمان ومدى فعاليته.
يتضح أن البرلمان قد تحول من فضاءٍ للتشريع والرقابة إلى ساحة تتحكم فيها الولاءات السياسية، حيث تهيمن القرارات العليا على أعمال المؤسسة بدلاً من تحفيزها من الداخل. يُقدّر الموسوي عدد مشاريع القوانين المؤجلة بما يتراوح بين 22 و23 قانوناً، والتي تتعلق بحقوق الموظفين والهيئات السيادية، مما يعني أن الفجوة الهيكلية في العمل البرلماني أضحت أزمة عميقة تتطلب حلولاً جذرية تضمن العودة إلى الدور الأساسي للبرلمان. إن تكرار هذه الأزمات يعكس عدم الالتزام المهني واهتزاز الثقة العامة في المؤسسة التشريعية، إذ يبحث المواطن عن ممثلين يحققون آماله بدلاً من التفرق في الحملات الانتخابية.
تعليقات