التحركات الأمريكية تجاه العراق مع اقتراب الانتخابات
تعمل الولايات المتحدة في اتجاه مزدوج تجاه العراق مع اقتراب انتخابات 11 تشرين الثاني، حيث يجري التلويح بإمكانية فرض عقوبات مع تكليف مبعوث خاص جديد. هذه التحركات تشير إلى عودة ملف العراق إلى الاهتمام الأمريكي، كمنطقة اختبار لتوازن الردع ضد المحور الإيراني بدلاً من كونه ساحة مواجهة مباشرة.
الاستراتيجية الأمريكية في معالجة الشؤون العراقية
تقدم هذه المؤشرات رؤية أولية لموقف الإدارة الأمريكية التي تحاول تنظيم الأوضاع العراقية بشكل يمنع التصعيد، وذلك باستخدام أساليب أقل عنفاً وأكثر فعالية على المدى البعيد، كفرض ضغوط اقتصادية وتقييد الأنشطة المالية بدلاً من العقوبات الفورية. يرى المحلل السياسي عدنان التميمي، في حديثه، أن فرض عقوبات على النخب السياسية العراقية قبل الانتخابات يعد أمراً بعيد المنال في الوقت الحاضر، موضحًا أن واشنطن تفضل مراقبة الوضع من خلال ممثلها الجديد في بغداد قبل اتخاذ قرارات أكثر حسماً.
يشير التميمي إلى أن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط أصبحت ترتكز على تعزيز نفوذ إسرائيل وتقليل مساحة حركة قوى المحور، مع تقليص النفوذ الإيراني. ويعتقد أن هذا النهج قد يشمل العراق من خلال إجراءات أو ضغوط اقتصادية محددة، لكن دون المساس بالقيادات السياسية المؤثرة خلال فترة الانتخابات، وذلك للحفاظ على التوازن الداخلي.
يبدو أن تحليل التميمي يشير إلى نهج أمريكي يقوم على المراقبة بدلاً من المواجهة، حيث تسعى واشنطن لدراسة تفاعلات المشهد السياسي والانتخابي الداخلي. من جهة أخرى، يرى الباحث أحمد الشريفي أن فرض العقوبات لا يزال خياراً متاحاً وبقوة، متوقعاً أن تُفرض قبل الانتخابات بأيام، مع وجود أسماء بارزة ضمن القائمة المتوقعة تشمل شخصيات متهمة بالفساد أو لها صلة بشبهات إرهاب.
إذا صدرت العقوبات، قد تكون بمثابة رسالة مزدوجة تتعلق بالتزام إدارة ترامب بمكافحة فساد الشبكات المرتبطة بإيران، وضبط المشهد السياسي العراقي قبيل الانتخابات. يرى الشريفي أن العقوبات قد تعزز من قدرة واشنطن على تقليص نفوذ القوى المرتبطة بالمحور الإيراني ومنعها من تحقيق هيمنة كبيرة في البرلمان المقبل.
ترافق هذا النقاش مع تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا جديدًا للعراق، وهو شخصية بغدادية الأصل ومعروف بلقب “ملك القنب في ديترويت”. اختيار شخصية من خارج الدائرة الدبلوماسية يعتبر مؤشرًا على توجه واشنطن نحو “دبلوماسية غير تقليدية” تجمع بين المصالح الاقتصادية والأمنية، مما قد يشير إلى أن المرحلة المقبلة قد تتجه نحو ضغط ناعم على العراق من خلال قنوات اقتصادية بدلاً من العقوبات المباشرة.
يعتمد التحليل على حجر الزاوية المتمثل في أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى الانتخابات العراقية القادمة كفرصة لإعادة تشكيل ميزان القوى في بغداد دون الحاجة لمواجهة مفتوحة. بينما تبقى العقوبات خياراً قائماً، إلا أن النهج المفضل حالياً يتمثل في أدوات أقل وضوحاً مثل تعيين المبعوث الخاص وشبكات التمويل الدولية. بالمقابل، قد تستخدم العقوبات، إن فرضت، كأداة رمزية لتحقيق إشارات ردع سياسية دون المساس العميق بالهيكلية السياسية.
يذهب بعض المراقبين إلى أن واشنطن تسعى لتحقيق “تحكم ناعم” في القرار العراقي، مع محاولة إبطاء نفوذ إيران. بين رؤية التميمي التي تدعو للترقب، وتقدير الشريفي الذي يتوقع المزيد من المواجهة، تبقى حقيقة واحدة ثابتة: عودة واشنطن إلى بغداد تتم بخريطة أدوات مختلفة، ترتكز بشكل أكبر على الضغط وليس التصادم، والمصالح بدلاً من الشعارات.

تعليقات