الانتخابات العراقية وتحديات السياسة الأمريكية
في توقيت بالغ الحساسية يسبق الانتخابات التشريعية المقبلة، كشف تقرير المعهد الأوروبي للدراسات حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترجمته “بغداد اليوم”، عن أن الولايات المتحدة تدرس خيار عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات العراقية ورفض التعاون مع أي حكومة تضم “فصائل” داخل مؤسسات الدولة.
الضغوط الخارجية وتأثيرها على العراق
ووفقاً للتقرير، فإن الموقف الأمريكي يأتي في إطار سياسة “الضغط الأقصى” التي تعتمدها واشنطن منذ عام 2024 بهدف تحجيم النفوذ الإيراني في العراق، عبر مسارين متوازيين: الأول يتعلق بالتوازن السياسي الانتخابي داخل البرلمان، والثاني يسعى إلى تعطيل أي محاولات لتوسيع صلاحيات هيئة الحشد الشعبي أو تحويلها إلى مؤسسة موازية للقوات المسلحة.
وأشار التقرير إلى أن مشروع تعديل قانون هيئة الحشد الشعبي، الذي طرح عام 2024 لتوسيع صلاحيات الهيئة، تم تأجيله في آب 2025 بعد ضغوط أمريكية مباشرة. في الوقت ذاته، لوحت واشنطن بفرض عقوبات مالية وتعليق التعاون الأمني وسحب قواتها المتبقية في حال تمرير القانون بصيغته الحالية، معتبرة أن ذلك سيساهم في تحويل الحشد إلى نموذج موازٍ للحرس الثوري الإيراني في العراق.
كما تلقت المحكمة الاتحادية العليا والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات شكاوى من منظمات مجتمع مدني تطالب باستبعاد 12 تشكيلًا انتخابيًا، استنادًا إلى الدستور الذي يحظر الجمع بين النشاط السياسي والعسكري. ويعتبر بعض المحللين أن هذه التدخلات قد تمس بمفهوم السيادة العراقية، حيث يطالبون بأن تبقى القرارات مصدرة من داخل البلاد دون تأثيرات خارجية.
بدوره، اعتبر أحد الباحثين أن الحديث عن احتمال عدم اعتراف الولايات المتحدة بالانتخابات المقبلة هو أمر مبالغ فيه، مشيرًا إلى أن العملية الانتخابية في العراق تُعد من بين الأكثر شفافية في المنطقة، وتخضع لإشراف الأمم المتحدة ومراقبتها. ووفقا لهذا الباحث، فإن العملية الانتخابية تُعبر عن الإرادة الوطنية، ولن يتأثر تشكيل الحكومة المقبلة برغبات الخارج.
ويشير الوضع الحالي إلى أن الانتخابات المقبلة ليست مجرد استحقاق دستوري، بل هي اختبار للإرادة الوطنية أمام ضغوطات خارجية وتوازنات داخلية. وبينما تسعى واشنطن لإعادة رسم المشهد السياسي، يتمسك الفاعلون العراقيون بأن الشرعية تُستمد من صناديق الاقتراع.
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، ستواجه العراق تحديًا حقيقيًا يتمثل في كيفية الموازنة بين متطلبات التحالفات الخارجية وضوابط الاستقلال. هل سيستطيع النظام السياسي الناشئ منذ 2003 أن يواجه هذا التحدي، أم أن صراع النفوذ والسيادة سيتجدّد في ثوب انتخابي جديد؟

تعليقات